أربيل تقرأ مع أطفالها.. وتكتب المستقبل بأيديهم


أربيل / نور عبدالقادر

لليوم الخامس على التوالي من معرض أربيل الدولي، مشهد ثقافي ينبض بالحياة، احتضن معرض أربيل الدولي للكتاب هذا العام مئات الزائرين من مختلف الأعمار، وكان للأطفال النصيب الأجمل من الاهتمام، حيث شهدت أيام المعرض تنظيم زيارات مدرسية منظمة، رافقها اهتمام خاص بتنمية حب القراءة لدى الجيل الجديد، وفتح أبواب الإبداع والتعلُّم أمامهم.

على مدار أيام متفرقة، زارت عشرات المدارس من أربيل وضواحيها أروقة المعرض، حيث اصطفت الحافلات المدرسية في ساحة المعرض منذ ساعات الصباح الباكر، حمل الأطفال حقائبهم الصغيرة وقلوبهم الكبيرة، متحمسين لما ينتظرهم من كتب وقصص، وألوان ومعرفة. كانت أعينهم تلمع وهم يتجولون بين الأجنحة، يقلبون الصفحات، ويسألون الباعة والمشرفين عن كتب تناسب أعمارهم واهتماماتهم.

شهدت القاعات حركة مميزة مع زيارة عدد كبير من المدارس الابتدائية، حيث توافد التلاميذ برفقة معلميهم في جولات تعريفية بين أجنحة المعرض. تفاعل الأطفال بشكل لافت مع الكتب المعروضة، إذ لم يكتفوا بالمشاهدة، بل انخرطوا في عملية التصفّح والاختيار، وحرص كثير منهم على اقتناء كتب تناسب أعمارهم واهتماماتهم. بعضهم كان يسأل عن قصص المغامرات، وآخرون جذبهم عالم الديناصورات أو الفضاء. هذا الحماس الطفولي العفوي أعاد الحياة إلى الكتب، وجعل من المعرض مكانًا للتعلّم والاكتشاف، وليس فقط للتسوّق.

في جناح الكتب المخصصة للأطفال، كان المشهد مليئًا بالحيوية. القصص المصوّرة، وكتب التلوين، والروايات المبسطة اجتذبت أنظار الصغار، فيما جلس آخرون على الأرض يتصفحون كتابًا أو يستمعون إلى قراءة قصة من أحد المؤلفين أو المعلمين المتطوعين. بعض دور النشر نظّمت ورشات رسم وقراءة، استهدفت إشراك الأطفال في العملية الإبداعية، وتحفيزهم على أن يكونوا كتّاب المستقبل، لا مجرد قرّاء.

تقول إحدى مشرفات المدارس الابتدائية: «هذه الزيارة فرصة تعليمية لا تقدر بثمن، نحن لا نريد فقط أن ندرّس الأطفال في الصفوف، بل نفتح لهم نوافذ على العالم من خلال الكتب. القراءة تزرع فيهم الثقة والوعي، وهذا ما نحتاجه للمستقبل».

من جانبها، عبّرت الطالبة «رُقيّة»، وهي في الصف الخامس، عن فرحتها بالزيارة قائلة: «أنا أحب الكتب كثيرًا، اشتريت قصة عن فتاة تسافر حول العالم، وأتمنى أن أكتب قصصًا مثلها عندما أكبر».

لم تقتصر الزيارات على المدارس الكوردية فقط، بل شاركت مدارس عربية وسريانية أيضًا، ما عكس التنوع الثقافي في المدينة، وأظهر كيف أن اللغة لم تكن حاجزًا، بل جسرًا نحو التعارف والتعلُّم.

إدارة المعرض من جهتها وفرت التسهيلات للزيارات المدرسية، وخصّصت مساحات آمنة للأطفال، كما تعاونت مع دور النشر لتقديم خصومات خاصة للطلبة. وقال أحد منظمي المعرض: «نحن نؤمن أن الطفل القارئ اليوم هو صانع القرار غدًا، ولهذا نركّز على إشراكهم في هذا الحدث الثقافي الكبير».

مشهد الأطفال وهم يغادرون المعرض محمّلين بأكياس مليئة بالكتب، يؤكد أن أربيل لا تقرأ فقط.. بل تُنشئ جيلًا يكتب مستقبله بنفسه، يحمل في كلماته وأحلامه بذور التغيير والمعرفة

Scroll to Top