
اربيل/ جنان السراي
منصّة للتلاقي الثقافي ومنارة للإبداع، هكذا وصف مثقفون وأكاديميون معرض أربيل الدولي للكتاب، الذي لم يعد مجرد فعالية سنوية لبيع الكتب، بل تحوّل إلى مهرجان فكري ينتظره القرّاء والكتّاب ودور النشر بشغف.
ففي مشهد يعكس غِنى التنوع الثقافي في العراق، يشكّل المعرض مساحة حيوية للتبادل المعرفي، وفرصة لتعزيز الهوية الثقافية الكوردية والانفتاح على العالم العربي والدولي، وفق ما يقول رواده.
من داخل أروقة المعرض، يرى المشاركون فيه مرآةً حقيقية لحيوية المشهد الثقافي في كوردستان، ومنصة لاكتشاف الأدب الكوردي وتعزيز الحوار بين الثقافات، وسط تفاعل جماهيري لافت ومشاركة واسعة من الشباب والعائلات والمثقفين، ما يجعل منه بوابة حقيقية للمعرفة والانفتاح.
مهرجان ثقافي لا مجرد سوق كتب
يمثّل هذا المعرض، الذي تنظمه مؤسسة “المدى للطباعة والنشر”، أكثر من مجرد حدث سنوي، بل أصبح، بحسب تصريح الكاتب والصحفي عبد الحميد زيباري، “مهرجاناً ثقافياً يشكّل مساحة للتواصل بين القرّاء والكتّاب ودور النشر. ينتظره الجمهور بفارغ الصبر لما يحمله من غنى معرفي وتنوع فكري”.
وأضاف زيباري: “شعرنا بأهمية هذا المعرض بشكل أكبر خلال جائحة كورونا، حين غاب عن جدول الفعاليات الثقافية. في تلك الفترة، أدركنا حجم الفراغ الذي خلّفه غياب المعرض في المجتمع الكوردي، لا سيما في ظل تعطّش الجمهور للإصدارات الجديدة وحرصهم على اقتناء الكتب خلال أيامه”.
جسر ثقافي بين كوردستان والعالم العربي
وحول البُعد الحضاري للمعرض، أكد زيباري أن “المعرض يلعب دوراً حيوياً في نقل صورة حضارية وثقافية عن المجتمع الكوردي إلى العرب في بغداد وباقي المحافظات العراقية، بل وحتى إلى الدول المجاورة. فهو يعد منصة للتلاقي بين المفكرين والمثقفين والمترجمين من إقليم كوردستان مع نظرائهم من باقي أنحاء العراق والوطن العربي والعالم”.
وأردف: “من خلال الفعاليات المرافقة من ندوات، توقيع كتب، ولقاءات فكرية، يتجسّد هذا التبادل الثقافي والفكري، ما يسهم في تعزيز الحوار الثقافي، والتعريف بالإنتاج الأدبي الكوردي، وتوثيق الصلات بين الثقافات المتنوعة. إنه حدث يستحق الدعم والتقدير، كونه يمثل أحد أعمدة النهضة الثقافية في كوردستان”.
من جانبه، صرّح نوزاد بولص، مدير المكتبات العامة في وزارة الثقافة والشباب بإقليم كوردستان، لملحق (المدى) قائلاً:
“معرض أربيل الدولي للكتاب ليس فعالية عابرة، بل أصبح جزءاً أساسياً من الهوية الثقافية في الإقليم. نعتبره مرآة حقيقية لحيوية المشهد الثقافي في كوردستان، وهو في كل عام يمنح فرصة للتلاقي بين مختلف شرائح المجتمع: الشباب، الأكاديميين، الأدباء، وحتى العائلات التي باتت تعتبر زيارة المعرض طقسًا سنوياً.
وأضاف بولص: “من أبرز الإيجابيات التي نلمسها من المعرض هو ازدياد الإقبال على القراءة، لا سيما بين فئة الشباب. كثير من المدارس والجامعات تنظّم زيارات خاصة للمعرض، ونحن نشجع ذلك ونوفر لهم دعمًا لوجستيًا، لأننا نؤمن بأن بناء مجتمع قارئ هو حجر الأساس لأي تطور حضاري”.
وتابع: “المعرض أيضًا يساهم في تشجيع دور النشر المحلية وتقديم الكتّاب الكورد إلى قرّاء من خارج الإقليم، خاصة من بغداد والمحافظات الأخرى. من خلال ترجمة الأعمال الأدبية الكوردية إلى العربية واللغات الأجنبية، نحرص على أن يكون الإنتاج الأدبي في الإقليم جزءاً من المشهد الثقافي الأوسع في العراق والمنطقة”.
وختم حديثه قائلاً: “نطمح إلى توسيع دائرة الشراكات الدولية للمعرض، واستضافة مزيد من دور النشر العالمية، وفتح نوافذ تعاون جديدة بين الكتّاب الكورد والعرب. فالمعرض ليس فقط احتفال بالكتاب، بل بوابة للحوار والانفتاح والتقارب بين الشعوب”
صوت المبدعين: رؤية الروائي ناهض الهندي
فيما قدّم الروائي ناهض الهندي رؤيته حول أهمية المعرض، مؤكداً أنه “واحد من المنصات المهمة التي تؤدي دوراً رئيساً في تعزيز الهوية والثقافة الكوردية، وإبراز الإبداع الكوردي وتطوّره داخل الإقليم وخارجه”.
وأضاف: “من خلال زيارتي المستمرة، لاحظت التزام المعرض بتسليط الضوء على الإصدارات الكوردية الحديثة، وإسهامه في نشر المعرفة بالتراث الكوردي، وإحياء الكتابة باللغة الكوردية. لكن برأيي، فإن التركيز المكثف على النتاج الكوردي أحياناً يأتي على حساب الكتب العربية، رغم أن الزوّار العرب لا يقلون عدداً عن الكورد، لذا أرى أن التوازن ضروري لضمان انفتاح ثقافي أوسع”.
وأشار الهندي إلى أن “المعرض يشكّل فرصة ذهبية لاكتشاف الأدب الكوردي، من خلال تنوّع لغات المطبوعات وتواجد عدد كبير من دور النشر، إلى جانب اللقاءات المباشرة مع الكتّاب، ما يتيح للزائرين مناقشة الأعمال والغوص في خصوصياتها”.
ولم يغفل الهندي الإشارة إلى الزخم الذي تشهده الفعاليات الموازية، قائلاً: “الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن المعرض يتميز بغناه من حيث تنوّع الكتب وتعدد الفعاليات، من ندوات، حفلات توقيع، ورش عمل، وأمسيات شعرية وغنائية، ومعارض فنية. هذا جعل المعرض بيئة ثقافية خصبة وملتقىً مفتوحاً لشرائح واسعة من الجمهور”.
وختم حديثه قائلاً: “خلال السنوات الأخيرة، لاحظت تطوراً واضحاً في مستوى التنظيم والمكان، إضافة إلى إدخال أدوات تقنية مثل تطبيقات البحث عن الكتب. كما أن عدد الترجمات والدور الأجنبية والعربية آخذ في التزايد، لكنه ما زال بحاجة إلى محفّزات أكبر للمشاركة. وأعتقد أن ارتفاع أسعار الإيجارات قد يكون أحد أسباب عزوف بعض الدور المهمة، وهو ما ينعكس سلباً على القارئ من حيث تنوع الخيارات وأسعار الكتب”.