الإقبال العالمي على الكتب.. برغم زحمة وسائل الترفيه الحديثة

أربيل / نور عبدالقادر

رغم التطور المتسارع في وسائل الترفيه الحديثة، من تطبيقات التواصل الاجتماعي والمسلسلات والأفلام إلى الألعاب الإلكترونية، لا تزال الكتب تحتفظ بمكانتها على رفوف الجدران في المنازل والمكتبات والكافيهات مشهد يثير التساؤل: ما سر هذا الإقبال المستمر على القراءة؟ وهل استطاعت الكتب أن تصمد أمام العاصفة الرقمية؟ يبدو أن الكتاب، رغم كل التحديات التي تواجهه، قد نجح في التكيف مع العصر الرقمي ولم يفقد بريقه.

في السنوات الأخيرة، شُخصت عودة ملحوظة للقراءة، خاصة بين فئة الشباب، رغم ما يُثار حول تراجع الاهتمام بالكتب، فقد شهدت دور النشر والمعارض الدولية للكتاب حضورًا كبيرًا من مختلف الفئات العمرية، مما أعاد الأمل إلى صناعة النشر التي كانت تعاني لسنوات من تراجع المبيعات، هذا التوجه الجديد يظهر قوة الكتاب كأداة تأثير في عالم متسارع يعتمد على السرعة والانتباه القصير، هناك أيضًا توجه نحو نوعية معينة من الكتب التي ترتبط بالقيم الإنسانية، التنمية الذاتية، وكذلك الأدب الذي يقدم عمقًا فكريًا وثقافيًا بعيدًا عن وسائل الترفيه السريعة.

يقول العم أحمد المصري، وهو صاحب دار نشر شارك في معارض متعددة: «الفئة العمرية الشبابية وحتى الأطفال هم الأكثر استقدامًا من غيرهم، وهذا دفعنا للمشاركة في المحافل الأدبية لتغيير مسار الشباب في ظل عالم التكنولوجيا الحديث، والأسرة عليها العاتق الأكبر في تشجيع أبنائهم وتوفير الكتب لهم بدلًا من الأجهزة الرقمية التي قد تؤثر على استيعابهم وبصرهم». هذا التصريح يعكس حالة من الوعي المتزايد بين الأفراد بشأن أهمية القراءة في العصر الحالي، والذي يتطلب من الأهل والمجتمع دعم هذه الثقافة.

وبينما يُنظر إلى التكنولوجيا عدوًا للكتاب، فإنها في كثير من الأحيان أصبحت وسيلة تعزز ثقافة القراءة، من خلال منصات الكتب الإلكترونية والصوتية، والملخصات المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. بل إن بعض الكُتاب وجدوا في هذه الوسائل طريقًا للترويج لكتبهم والوصول إلى جمهور أكبر، فاليوم يمكن لأي شخص الوصول إلى آلاف الكتب في جيبه بفضل الهواتف الذكية والتطبيقات المتخصصة، وهو ما جعل الكتاب متاحًا في كل مكان وزمان.

يقول أحد القراء في مقابلة لـ(ملحق المدى): «التكنولوجيا ساهمت في نشر الوعي بأهمية جودة القراءة، مواقع مثل إنستغرام وتيك توك باتت تسلط الضوء على كُتاب جدد وكتب تنمي الوعي، وهذا شجع الشباب على القراءة والتفاخر بالثقافة والتنافس فيما بينهم.» هذه المنصات الاجتماعية أظهرت أن الكتاب قد أصبح جزءًا من أسلوب حياة عصري، حيث أصبح الكثيرون يتباهون بثقافتهم القرائية ويناقشون الكتب التي قرأوها على الملأ، مما يعزز من مكانة الكتاب في المجتمع.

كما أن بعض المؤثرين الرقميين باتوا يروجون للقراءة كجزء من أسلوب الحياة العصري، ما جعل من الكتاب رمزًا للوعي والتميز، وهذا ما أكدته أيضًا إحدى المشاركات في معرض للكتاب: «لولا السوشال ميديا، لما زاد إقبال الشباب على القراءة، صاروا يشاركون كتبهم المفضلة، ويناقشونها، ويشعرون بالفخر كونهم قراء واعين.» هذا التفاعل الرقمي لم يقتصر فقط على القراءة، بل شمل أيضًا نشر الثقافة الأدبية وخلق حلقة تواصل بين الكتاب وقرائهم.

القراءة اليوم لم تعد فقط ممارسة تقليدية كما كانت في السابق، بل أصبحت خيارًا شخصيًا يعكس مستوى الوعي والثقافة، والهروب الإيجابي من ضغوطات الحياة. تمنح القارئ عمقًا لا توفره وسائل الترفيه السريعة، وتتيح له استكشاف أفكار وتجارب ومعتقدات مختلفة، مما يعزز من فهمه لذاته والعالم من حوله. كما أن الكتب تمنح القارئ فرصة لتكوين علاقة خاصة مع النصوص والقصص التي قد تغير حياته.

وبرغم التحول الرقمي المتسارع، فإن الكتاب ما يزال محافظًا على قيمته، لا سيما حين يُقدَّم بشكل عصري يجمع بين الأصالة والابتكار وبينما يتأرجح العالم بين الشاشة والورق، يثبت الكتاب أنه لا يزال صديق الإنسان الأول ونافذته الأجمل نحو المعرفة والخيال، قد تكون وسائل الترفيه الحديثة قد شكلت تحديًا، لكن الكتاب لا يزال يملك القدرة على التأثير العميق في النفوس، وفتح آفاق جديدة للقراء في مختلف أنحاء العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top