التعايش الإيجابي بين المكونات: ندوة حوارية ضمن فعاليات معرض أربيل الدولي للكتاب

أربيل / علي زيتو

في إطار فعاليات معرض أربيل الدولي للكتاب بدورته السابعة عشرة، نظّمت وزارة الثقافة والشباب في إقليم كوردستان ندوة فكرية تحت عنوان “التعايش الإيجابي بين المكونات”، بمشاركة عدد من ممثلي المكونات الدينية والقومية، إلى جانب مسؤولين حكوميين، في جلسة شهدت نقاشاً عميقاً حول أسس التعايش السلمي، وأهمية قبول الآخر، ونبذ خطابات الكراهية والتفرقة.

تحويل التعايش من شعار إلى ممارسة

افتُتحت الندوة بكلمة لضياء بطرس، ممثل المكون المسيحي، الذي أشار إلى أن جميع المكونات في كوردستان – سواء كانت دينية أو قومية – تعيش تحت مظلة واحدة، هي مظلة كوردستان.

وأكد أن الحفاظ على هذه الوحدة يتطلب اتباع أسس ثابتة تضمن تطبيق التعايش فعلياً، لا الاكتفاء به كشعار.

وأضاف: “علينا أن نؤمن بمبدأ قبول الآخر، لا التعايش فقط، فالتقبل يعني الاعتراف بحق الآخر أن يكون مختلفاً، دون محاولة تغييره أو تهميشه”.

وأشار بطرس إلى أن التعايش السلمي في كوردستان يبقى أفضل من مناطق أخرى، لكنه ما يزال أقل من مستوى الطموح، بسبب استمرار بعض مظاهر خطاب الكراهية.

وأوضح أن إعادة هيكلة وزارة الأوقاف لتكون شاملة لكل الشؤون الدينية ساهم في الحد من السلوكيات السلبية تجاه الأديان، لافتاً إلى أن إقليم كوردستان لا يشهد نزاعات دينية، ما يُعد مكسباً يجب تعزيزه.

ضرورة حماية الحقوق الثقافية والدينية

من جهته، تحدث الناشط رجب كاكائي عن واقع المكون الكاكائي وحقوق المكونات في كوردستان، داعياً إلى تعزيز الوعي المجتمعي بخصوص التنوع الديني.

وأوضح أن المكونات بحاجة إلى إجراءات قانونية تضمن عدم التمييز، وإلى مساحات أكبر للمشاركة في صنع القرار الثقافي والسياسي، مشيراً إلى أن التمثيل الرمزي وحده لا يكفي.

وشدد كاكائي على أن التعايش لا يكتمل إلا بتكريس العدالة الاجتماعية والثقافية والاعتراف الرسمي بالخصوصيات الدينية لكل مكون.

الإيزيديون ما زالوا يعانون

بدوره، سلّط داود مراد ختاري، ممثل المكون الإيزيدي، الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه الإيزيديين، رغم الاستقرار النسبي في كوردستان.

وقال: “ما زال المكون الإيزيدي يعاني من تبعات الإبادة الجماعية، ونحن بحاجة إلى دعم حكومي مستمر لضمان عودة النازحين وإعادة إعمار مناطقهم”.

وطالب ختاري بتكريس حقوق الإيزيديين دستورياً وثقافياً وتعليمياً، وتضمين مادتهم الدينية في المناهج الرسمية، مشدداً على ضرورة معالجة الإرث النفسي والاجتماعي الذي خلفته المآسي السابقة.

تكريس التعايش عبر سياسات واضحة

واختُتمت الندوة بكلمة لأمير عثمان مولود، ممثل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في إقليم كوردستان، الذي استعرض جهود الحكومة في تعزيز ثقافة التعايش وقبول الآخر.

وأوضح أن الوزارة تتبنى مشاريع تهدف إلى دعم التنوع الديني، من بينها برامج تدريبية وتوعوية، وتوفير الدعم اللازم لدور العبادة الخاصة بكل مكون.

كما أكد على أهمية دمج مفاهيم التعايش والتعدد في المناهج الدراسية، مشيراً إلى أن الحكومة تعمل على وضع آليات لحماية حقوق المكونات وضمان مشاركتها الفاعلة في الحياة العامة.

دعوة لتعميق ثقافة التعددية

أجمع المشاركون على أهمية الانتقال من مرحلة الشعارات إلى تطبيق عملي لمفهوم التعايش الإيجابي، مع ضرورة تحديث القوانين والسياسات بما ينسجم مع التنوع القائم في الإقليم. كما دعوا إلى دور أكبر للمؤسسات الثقافية والإعلامية في نشر خطاب قبول الآخر ومكافحة التمييز.

وتأتي هذه الندوة في توقيت مهم يعكس حرص المؤسسات الثقافية والرسمية في كوردستان على صيانة التنوع المجتمعي وتثبيت قيم التعايش والسلام الأهلي، وهو ما يجعل من معرض أربيل للكتاب فضاءً حقيقياً للحوار والانفتاح.

Scroll to Top