«الشابندر بين النقد والتصوف».. جلسة فكرية في معرض أربيل الدولي للكتاب!


أربيل / تبارك عبد المجيد

ضمن فعاليات معرض أربيل الدولي للكتاب في نسخته السابعة عشرة، انعقدت جلسة فكرية على مسرح الندوات حملت عنوان «الشابندر بين النقد والتصوف»، استُضيف فيها الكاتب والمفكر الإسلامي غالب الشابندر، في حوار مفتوح أداره الكاتب والصحفي علي حسين.

استهل حسين الجلسة بتقديم الضيف بكلمات تعبر عن التقدير والاحترام لمسيرته الفكرية والإنسانية، قائلًا: «غالب الشابندر هو أحد الناجين من طاعون الطائفية والتلون، وبضميره اليقظ وعفويته المحببة، يقدم لنا كل يوم دروسا تأملية في ما يمر به العراق. لقد كتب سيرته الذاتية في كتاب بعنوان (خسرت حياتي)، ويؤمن أن دور المثقف يتمثل في إثارة الأسئلة، لا تقديم الأجوبة الجاهزة».

وفي معرض حديثه عن التصوف، قال الشابندر: «يعتقد كثيرون أن التصوف مرتبط ارتباطا ضروريا بالإيمان الديني، لكن هذا غير دقيق. لا توجد علاقة حتمية بين التصوف العام والإيمان بالغيب، إذ نجد أن هناك من يُصنف كملحد لكنه يحمل روحًا صوفية».

وأوضح أن التصوف في جوهره هو نكران الذات، وهو يتجلى في تجاوز الإنسان لنفسه من أجل الآخرين، من أجل الفقراء، من أجل الإنسانية، ومن أجل الطبيعة وسلامتها وأمنها. واستشهد بأمثلة على شخصيات وصفها بالصوفية رغم عدم ارتباطها الديني المباشر، مثل غاندي وجبران خليل جبران.

وأضاف أن التصوف ليس طريقًا سهلاً، بل يحمل في طياته المشقة والمعاناة والصراع بين الغرائز والروح، بين النزعة المادية والرغبة في التملك والسيطرة من جهة، والنزعة المعنوية والمثالية من جهة أخرى. «حين ينتصر الجانب المعنوي على المادي، فذلك هو التصوف الحقيقي»، كما قال.

وأشار الشابندر إلى أن نكران الذات لا يعني إلغاءها، بل هو إثبات أعمق لوجودها، بالشعور بالذوبان في ضمائر الآخرين، بما يعكس حضور الذات في الوعي الجمعي لا في الأنانية الفردية.

وفي حديثه عن النقد السياسي، أوضح أنه لا يملك تعريفا موحدا أو جامعا، شأنه شأن الكثير من المفاهيم السياسية. وقال: «تعريف النقد السياسي يعتمد على المثال المطروح، فهو يتغير بتغير النظام السياسي؛ فيمكن أن يكون أداة لتفكيك النظام الاشتراكي بشكل إيجابي، أو أن يواجه أنظمة بلا أيديولوجيا، مثل بعض النماذج الديمقراطية».

لكنه شدد على أن التصوف لا يستخدم كمنهج في التحليل السياسي، بل لضبط إيقاع هذا التحليل، عبر تعزيز البعد الأخلاقي والروحي فيه.

وتحدث الشابندر أيضًا عن رحلته الفكرية قائلاً: «انتميت إلى اليسار منذ صغري، ثم انفتحت على التدين اليساري، وما زلت أعتبر نفسي يساريا». وأشار إلى جملة أثارت عليه كثيرا من الانتقادات، حين قال إن: «كارل ماركس هو أحد أنبياء الأرض».

وأوضح أن قصده لم يكن دينيا، بل مجازيا، معتبرا أن الماركسية الاجتماعية ذات جذور صوفية، وأن هناك دراسات تربط الفكر الماركسي ببعد روحي واجتماعي عميق، رغم طبيعته المادية.

وفي ختام الجلسة، تحدث الشابندر عن كتاب مذكراته الذي حمل عنوانا لافتا: «خسرت حياتي»، والذي طُبع بخمس نسخ فقط حتى الآن. وحول اختيار هذا العنوان، قال: «أطلقت عليه هذا الاسم لأنني عشت أربعين سنة من النضال السياسي، السجون، الاصابع المكسرة، والمطاردات والهروب.. ثم في النهاية أجد نفسي في مجتمع بهذا الواقع. قدمت شيئًا تمنيت أن يتحقق، لكنه لم يتحقق، وهذا بالنسبة لي خسارة، خسارة بين حجم التضحية النضالية، ونتيجة هذا النضال. فالعنوان كان نوعًا من التعزية لنفسي».

وفي لحظة تأملية صادقة، لخص الشابندر فلسفته في الحياة قائلاً: «أعتقد أن أنقى وأجمل وأرقى وأوفى شيء في الوجود هو العمل الصالح، وهو ما أتصوره غايتي في هذه الحياة».

Scroll to Top