الكتب البيئية: كيف يُساهم الأدب في نشر الوعي البيئي؟

أربيل / جنان السراي

في ركن من أركان معرض أربيل الدولي للكتاب، وبين رفوف تمتلئ بالقصص والروايات وكتب الأطفال، ظهرت هذا العام مجموعة لافتة من الكتب التي تتحدث عن شيء مختلف: الطبيعة والبيئة والكوكب الذي نعيش عليه. لم تعد هذه المواضيع حكراً على التقارير العلمية أو الأخبار، بل وجدت طريقها إلى الأدب والقصص، لتصبح أقرب إلى الناس وأكثر تأثيراً في اليوم الخامس من المعرض، رصد (ملحق االمدى) حضوراً واضحاً لهذا النوع من الكتب، التي تتناول التغير المناخي، التلوث، خطر انقراض الحيوانات، والاحتباس الحراري، بلغة بسيطة وسردية تمس القارئ مباشرة.

لم تعد البيئة موضوعًا محصورًا في الكتب العلمية أو التقارير الرسمية، بل أصبحت جزءًا من الخطاب الثقافي، تدخل عبر الأدب إلى البيوت والقلوب. بين رفوف المعرض، يمكن أن تجد روايات تحكي عن جفاف الأنهار، قصصًا للأطفال تحذر من قطع الأشجار، وشهادات توثّق التغيرات التي أصابت الريف والمدن.

نور حسين، طالبة في المرحلة الإعدادية، كانت تتصفح كتابًا مصورًا بعنوان “رحلة في غابة مهددة بالانقراض”. تقول لـ(ملحق المدى): “ما كنت أعرف أن الغابات تنقرض مثل الحيوانات. الكتاب فتح عيني على أشياء ما كنت أفكر بيها، وصرت أشوف الطبيعة بطريقة جديدة”.

نور لم تكن وحدها. كثير من الطلاب الذين زاروا المعرض برفقة مدارسهم وقفوا أمام رفوف كتب البيئة لفترة أطول مما قد يُتوقّع. بعضهم جذبته الرسوم، والبعض الآخر قرأ عناوين مثل “الماء ليس إلى الأبد” أو “آخر شجرة في الحي”.

حسين عدنان، زائر من بغداد في العشرينات من عمره، يقول إن هذا النوع من الكتب ساعده على فهم قضايا بيئية كان يسمع بها دون أن يستوعب حجمها. “كنت أسمع عن التغير المناخي، بس أبداً ما فكرت كيف يؤثر علينا. عندما قرأت رواية عن جفاف نهر وتحوّل مدينة كاملة إلى صحراء، أحسست أن الموضوع ليس ببعيد عن واقعنا”. ويضيف: “الأدب يوصل الفكرة بطريقة لا تنساها. لكن ليس مثل المقالات الثقيلة”.

من جهتها، تقول فيروز، وهي عضوة في جمعية “معاً لحماية الإنسان والبيئة”، لـ(ملحق المدى): “لاحظت أن عدد كتب البيئة قليل جدًا، رغم أهمية هذا الموضوع في وقت يمر فيه العراق بانهيار بيئي حقيقي يهدد الأرض والناس معاً”. وتضيف: “نحتاج إلى أن نركز على الأطفال وتوعيتهم من الصغر، لأنهم الجيل الجديد، وإذا عرفوا أهمية البيئة سيكبرون وهم يعتنون بها”.

رغم هذا الحضور الإيجابي، يلاحظ البعض أن عدد الكتب البيئية ما يزال محدوداً مقارنةً بكتب الروايات أو التنمية الذاتية. لكنها بداية تُبشّر بتوجه جديد. شاب يُدعى سيف تحدث لـ(ملحق المدى) قائلاً: “إذا كل كاتب كتب صفحة واحدة عن البيئة، وبيّن مسؤوليتنا تجاهها، سيكون عندنا جيل مختلف، يفكر قبل أن يرمي شيئا في الشارع أو يقطع شجرة”.

يتفق كثير من الزوار على أن الأسلوب الأدبي، سواء في الرواية أو القصة أو حتى كتب الأطفال، يجعل المواضيع البيئية أكثر قرباً وسهولة للفهم، خاصة عندما ترتبط بمشاعر أو شخصيات تعاني من نتائج الكوارث البيئية.

في أحد أجنحة النشر العربية، لاحظ (ملحق المدى) تخصيص زاوية كاملة للكتب البيئية، بعضها مترجم والآخر من تأليف كتّاب عرب شباب. مسؤولة الجناح، وهي طالبة جامعية مشاركة في التنظيم، قالت إن هذا التوجه بدأ يزداد في السنوات الأخيرة، مع وعي أكبر من القراء. “الناس صارت تسأل: هل عندكم كتب عن البيئة؟ وليس الطلاب فقط، بل حتى أهاليهم مهتمون يحثون أولادهم على القراءة عن التدوير أو ترشيد استهلاك الماء”.

رافق المعرض عدد من الوفود المدرسية من محافظات مختلفة. المعلم سالم رؤوف، الذي حضر مع طلابه من مدرسة في كركوك، قال لـ(ملحق المدى): “لاحظت أن طلابي انجذبوا لقصص الحيوانات المهددة، والكتب اللي بها رسومات عن التلوث. أعتقد أن هذا هو الطريق لتعليمهم كيف يعتنون بالبيئة من عمر صغير”. وأشار إلى أنه اشترى بعض الكتب البيئية ليستخدمها في أنشطة صفية، مؤكداً أن “الوعي البيئي ليس لزوما ان يكون بالمختبرات أو المناهج فحسب، الأدب يستطيع ان يصل للطفل قبل المدرسة”.

في زاوية كتب الأطفال، لفت الأنظار كتاب بعنوان “ليلى تُنقذ الغابة”، يحكي قصة طفلة تقود حملات تنظيف وإنقاذ للحيوانات. الطفلة شهد، التي كانت تقرأ الكتاب بصوتٍ عالٍ، قالت إنها أحبّت القصة لأنها “تعلمت منها كيف نزرع شجرة وتمنع الناس من قطعها”. ويعلّق والدها الذي كان برفقتها: “هذا النوع من القصص يترك أثرا. الطفل يتعلّم السلوك قبل أن يحفظ المعلومة”.

رغم هذا الحضور الإيجابي، يلاحظ البعض أن عدد الكتب البيئية ما يزال محدوداً مقارنةً بكتب الروايات أو التنمية الذاتية. لكنها بداية تُبشّر بتوجه جديد.

الأدب البيئي ليس مجرد تصنيف جديد، بل هو امتداد لوعي يتشكّل بين السطور، ويترجم لاحقًا إلى سلوك يومي. من رواية عن التصحر إلى قصة عن سلحفاة أُصيبت بكيس بلاستيكي، تبقى الكلمات قادرة على تحريك مشاعر قد تقود إلى تغيير حقيقي

Scroll to Top