المدى/ ذو الفقار يوسف
يقتدي الانسان بطبعه بما يقرأ ولمن يقرأ، كلاهما يصب في مجرى اكتساب التجارب، روحية كانت ام ملموسة، لذا دأبت معارض الكتب والقائمين عليها على اتقان الاحتفاء بالكتاب والكاتب بطرقها المتنوعة، اذ ان الطفرات النوعية التي تقوم بها المعارض عندما يتعلق الامر بنشر المعرفة وعرضها والتشجيع على استخدامها هي أساس نتاج المجتمعات القويمة التي تؤسس لمستقبل كله معرفة.
حالة ثقافية صحية
الكاتبة والاكاديمية ايمان عبد الجبار أكدت، انه «لا يخفى دور القراءة في كونها مؤشراً مهماً ومقياساً ينفذ منه إلى عمق المجتمع، فضلاً عن قدرته على الإحاطة بطبيعة اهتماماته ومدى قدرته على تحقيق التنمية فيه، في حال كانت القراءة تشكل اهتماماً ملحوظاً في هذا المجتمع».
وأشارت في حديثها لـ(ملحق المدى)، الى انه «بتنوع وزيادة المعارض المقامة في الوطن خلال هذه السنين الأخيرة يتمكن الفرد والمجتمع من التعرف على ثقافات الشعوب واهتماماتها عن طريق الكتاب المطبوع او اللقاء بالمثقفين والمفكرين الذين ترافق محاضراتهم وندواتهم فترات انعقاد هذه الكرنفالات المعرفية». منوهة الى انه «لعلَّ معارض الكتاب، المقامة في العاصمة بغداد وفي شتى مدن الوطن، تشكِّل حالة ثقافية صحية، بل من أكبر التظاهرات التي تضيف للحياة الاجتماعية في تلك المدن بهاءً ورونقًا وجمالًا، كما قد أصبحت تقليداً ينتظره المجتمع بكثير من الترقب، وذلك لدورها في ربط الفرد بعلاقة حميمية مع الكتاب، سواء كان مهتماً او مبدعاً، ولا يخفى ان للكتاب قيمة إنسانية عالية، على الرغم من تطور أساليب الوصول إلى المعرفة من خلال التقانة الالكترونية في (السوشيال ميديا)».
تضيف عبد الجبار لـ(ملحق المدى) أن «أي معرض من معارض الكتب في العراق تتزامن معه لقاءات بين المثقفين والمفكرين والكُتاب، لأن الثقافة هي الصرح الذي يعزز جميع المنجزات التنموية، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، وهذا يشير إلى الالق الثقافي والفكري الذي يمتاز به العراق والعراقيين». مشيرة الى، ان «مما تجدر الإشارة له ان هذه المعارض حافز مهم للشباب خاصة في ردم الهوة بين الكتاب والمتلقي من خلال ما توفره من عناوين وتجارب ابداعية ضمن جميع الاهتمامات فضلاً عن التعرف عن قرب لبعض المبدعين المهمين اللذين تتم دعوتهم على هامش إقامة هذه المعارض».
كسر القواعد
وتردف انه «تدر معارض الكتاب فوائد جمة من نواحٍ مختلفة ولها انعكاسات ايجابية على ارض الواقع وعلى المستويين الثقافي والاجتماعي، وبالنسبة للكاتب والجمهور القارئ فهي من باب تأتي لكسر الروتين الموجود في الشارع العراقي وتغيير لأجوائه التي باتت تعتمد بشكل غالب على المقاهي والمولات والمطاعم كنوع من انواع الترفيه، لتأتي معارض الكتاب محاولة كسر هذه القاعدة الجامدة ولو بمدة زمنية محددة ومحصورة على مدار السنة، فالترفيه الذي توفره هذه المعارض يكون غنياً بالثقافة ومشبعاً بالمعرفة ومشجعاً على ما هو نافع».
وتكمل الكاتبة حديثها «كما تأتي معارض الكتاب لإخراج الجمهور من قاعدة القراءة الالكترونية التي بات الكثيرون غارقون بها، الى واقع الكِتاب ومعايشة الكُتاب وابراز هذا الواقع الجمالي بعيداً عن شاشات الهواتف والحواسيب، كذلك فان الاستضافات التي تنتج عن هذه المعارض لكتاب لامعين تضفي مزيداً من الحب بين الكاتب وجمهوره». منوهة الى، انه «لا ننسى ايضاً انها تعود بالنفع على الجمهور والكتاب، فمن ناحية توفر هذه المعارض كل ما يحتاجه القارئ من كتب ومصادر، كما توفر للكاتب شهرة وترويجا لنتاجاته».
تطور المجتمعات
بينما قالت الكاتبة رفل السعدي، إن» معارض الكتاب لها دور ثقافي، اجتماعي، اقتصادي، مهم للناشر والكاتب والمجتمع، تساهم بإعادة حركة الثقافة من جديد، وتخلق تواصلا بين المجتمع والمؤلف. ودورها الاجتماعي انها تكون ملتقى موسع للقراء والكتاب، وفتح مساحة للجلسات الحوارية التي من شأنها تسليط الضوء على موضوع معين وكيفية معالجته وما هي سلبياته، في السنوات الاخيرة صارت اغلب الجلسات الحوارية سياسية بالدرجة الأولى».
وتبين لـ(ملحق المدى) «اما من الناحية الاقتصادية فهي تساهم بمردود مادي لدور النشر والمؤلف وهذه الدور هي ما جعلت شارع المتنبي قائم لليوم على الرغم من انخفاض القدرة الشرائية للكتب».
تضيف السعدي، ان «القارئ يفضل شراء الكتب خلال المعارض وذلك بسبب التخفيضات والعروض التي تصاحب المعرض، مما يعني ازدياد نسبة المبيعات وارتفاع القدرة الشرائية للكاتب». مشيرة الى، انه «طالما ساهمت الكتب والدراسات بتطوير المجتمع، ونجحت بتسليط الضوء على قضايا معينة، وتطرقت لكيفية معالجة ظواهر وحالات معينة».
مساحة مفتوحة
المترجمة رغد عجرش بينت، ان «العراق يشهد في السنوات الاخيرة مواسم مبهجة لمعارض الكتاب في بغداد والعديد من المحافظات الأخرى، والتي تساهم في تحفيز المشهد الثقافي وتمنح القارئ الفرصة للاطلاع وبشكل ملموس على كل ما هو جديد في عالم الكتب والثقافة، واخر الاصدارات المحلية والعالمية وخصوصا المترجمة منها». منوهة الى، ان «هذا الامر يعد من اهم العوامل التي اسهمت في تحفيز حركة الترجمة في العراق».
تضيف عجرش لـ(ملحق المدى)، انه «لا يمكن ان نقول ان دور معارض الكتب ما زال يقتصر على تسويق الكتب رغم المساحة المرنة والمهمة لدور النشر والتوزيع، لكنها ايضا فرصة من الرائع التخطيط لها بشكل متقن للنهوض بذائقة القراءة، ومحاولة الاحاطة بطبيعة اهتمامات المجتمع، وهذه الخطوات تساهم في التقدم الانساني على مستوى الفرد والمجتمع، كما تشكل حالة صحية لتشجيع التواصل الحميمي مع الكتاب الورقي بعيدا عن العالم الرقمي الذي اصبح جزءا اساسيا من حياتنا، وكذلك تمنح معارض الكتب الفرصة للتواصل المباشر بين المفكرين والادباء وبين والقراء باعتبارها مساحة مفتوحة للجميع».