
رفعة عبد الرزاق محمد
نشرت بعض الصحف العربية (ومنها الشرق الاوسط ليوم 10-5-2011) خبرا عن احتفال بعض دول العالم الاسلامي بالذكرى الاربعمئة لولادة الرحالة العثماني الشهير اوليا جلبي الذي أطلق عليه لقب ابن بطوطة الثاني. اذ قضى معظم حياته السبعين عاما في السفر والترحال في ارجاء العالم الاسلامي الذي كان خاضعا لسيطرة الدولة العثمانية في القرن السابع عشر الميلادي. وقد خلف اوليا جلبي كتابه الكبير الموسوم (سياحتنامة) في عشرة مجلدات ضمنه مشاهداته وانطباعاته في رحلاته، التي بدأت من عاصمة الدولة العثمانية اسطنبول وهو في التاسعة عشرة من عمره.
وبهذه المناسبة أصدر مركز تاريخ مصر المعاصر في دار الكتب والوثائق المصرية في القاهرة الجزء الخاص بمصر من رحلات اوليا جلبي باسم (سياحتنامة مصر)، الذي ترجمه الى العربية عام 1952 المترجم العراقي الكردي القدير محمد علي عوني، وتحقيق الدكتور عبد الوهاب عزام والدكتور احمد السعيد سليمان وراجعه الدكتور احمد فؤاد متولي.
نبهني هذا الخبر الى البحث عن المترجم محمد علي عوني الذي يعرفه القراء العراقيون بترجمته الممتازة لعدد من مؤلفات المؤرخ العراقي الكبير محمد امين زكي (ت1948). وقبل هذا بسنوات، في الثمانينيات من القرن الماضي، تيسر لي الالتقاء بالدكتور محسن جمال الدين، المتوفى عام 1988، وكان في سبيله لنشر مجموعة من المقالات في جريدة (العراق) تحت عنوان (اكراد خدموا اللغة العربية)، وكان من رأيي ان يؤكد في مقالاته على مجموعة من المثقفين الكرد ممن غمرهم النسيان بعد ان قدموا فوائد جليلة للثقافة العراقية جديرة بالتنويه والتذكير. وكان رحمه الله كثير السؤال عن اديب كردي لم يجد له ترجمة وافية في المصادر الي تحت يديه، وهو محمد علي عوني، الكاتب والمترجم القدير، وكم كانت فرحته كبيرة عندما ابلغته ان ابنة المومى اليه في بغداد، وهي السيدة درية محمد علي عوني. وكانت قد زارت بغداد سنة 1985 عند انعقاد مهرجان المربد بصفتها احدى الصحفيات المصريات!!. ولا اعرف ان كان الدكتور محسن جمال الدين قد اتصل بها او وجد اجابة لسؤاله عن محمد علي عوني، فقد اخترمه الموت ولم ينشر شيئا عنه.
ولد محمد علي عوني سنة 1879 في مدينة ديار بكر في اسرة كردية معروفة هناك، اكمل الدراسة الابتدائية والثانوية في مدينته، ثم سافر الى مصر لإكمال دراسته العالية في الازهر، معقل الثقافة العربية في القاهرة. ونال امنيته في الحصول على الشهادة بتفوق، وكانت معرفته لعدد من اللغات كالكردية والتركية والفارسية والفرنسية والانكليزية، واجادته للغة العربية، ان نجح في ترجمة الكثير من المقالات التاريخية والادبية ونشرها في الصحافة المصرية. ثم اتصل بالأسرة التيمورية، الاسرة الادبية والعلمية الكبيرة في مصر، وهي من اصول كردية كما هو معروف، واتصل بمكتبتها الكبيرة، وهي من أكبر المكتبات الشخصية في الشرق، وكانت يومئذ قبلة الباحثين والادباء في الشرق والغرب. وكان ذلك كفيلا لان يتقدم لوظيفة المترجم في السرايا الملكية (البلاط) في القاهرة. واستقر فيها وتزوج من كريمة اسرة مصرية معروفة تلقب بالرفاعي، وترك ثلاثة ابناء: صلاح وعصام ودرية. وامتد به العمر الى ان توفاه الله في 11 تموز 1952، ودفن في تكية الشيخ المغاوري على جبل المقطم. وتذكر كريمته درية انه قام بتعليم اللغة الفارسية للملكة فوزية قبل زواجها من شاه إيران محمد رضا بهلوي، كما ترجم وثائق قصر عابدين المكتوبة بالتركية.
ترك محمد علي عوني العديد من الاثار الكتابية القيمة، تيسر لقسم منها النشر، وبقي القسم الاخر مخطوطا يحن الى من يزيل عنه غبار النسيان لتعم فائدته، واثاره المنشورة هي:
1. ترجمة كتاب (خلاصة تاريخ الكرد وكردستان) الى العربية، والكتاب للمؤرخ الكردي الكبير محمد امين زكي المتوفى سنة 1948. طبع الاصل في بغداد سنة 1931، وترجمة عوني صدرت في القاهرة سنة 1939.
2. ترجمة الجزء الثاني من كتاب (مشاهير الكرد وكردستان)، وكان الجزء الاول قد ترجم على يد ابنة المؤلف سانحة محمد امين زكي، وطبع ببغداد سنة 1945. وصدر الجزء الثاني في القاهرة سنة 1947.
3. ترجمة كتاب (تاريخ الدول والامارات الكردية) لمؤلفه محمد امين زكي، وطبع في القاهرة سنة 1948.
4. ترجمة كتاب (شرفنامة)، صدر في القاهرة سنة 1962 بتقديم الدكتور يحيى الخشاب.
5. ترجمة كتاب (سياحتنامة حدود) الجزء الخاص بمصر، صدر عن دار الكتب والوثائق القومية في مصر، مركز تاريخ مصر المعاصر (2009). وتذكر مقدمة الكتاب ان ترجمته انجزت عام 1952، صدر بتحقيق الدكتور عبد الوهاب عزام والدكتور احمد سعيد سليمان.
اما مخطوطاته، فقد وضع قاموس كردي عربي، ولا اعرف شيئا عن مصيره. وقد ذكر المرحوم محمد امين زكي في الجزء الثاني من (مشاهير الكرد وكردستان) ان محمد علي عوني كتب رسالة سماها (الرسالة العونية في تراجم الاسرة التيمورية) في سنة 1936 اعتمد فيها على مصادر منوعة ومنها شواهد قبور الاسرة العلمية والادبية الكبيرة. وذكر فيها ان السيد محمد تيمور كاشف شخصية كردية من منطقة (قرة جوالان) في السليمانية، وكان قد فارق اسرته إثر خصام مع اخيه والتحق بالجيش العثماني، ومن الصكوك والوثائق ان اسمه محمد بن اسماعيل بن علي كرد، وهو جد العلامة احمد تيمور عميد الاسرة في القرن العشرين.
ولعل من المفيد ان نضيف هنا ان محمد تيمور كاشف جاء الى مصر مع الجيش العثماني سنة 1801، والتحق بجيش محمد علي باشا الكبير، والي مصر المعروف، ولكفائته فقد أصبح من خاصة الوالي فعينه محافظا للمدينة المنورة (1837)، ثم مديرا لمحافظة الشرقية. وتوفي سنة 1848، وكانت ولادته في سنة 1765، وسمي بكاشف لان المنصب الاخير الذي تولاه هو كاشف الشرقية ويعني مديرها. وتقدم ابنه اسماعيل رشدي في المناصب على عهد الخديوي عباس الاول والخديوي محمد سعيد، وتوفي سنة 1872، وقد اشتهرت ابنته الشاعرة عائشة التمورية، المتوفاة في 25 ايار 1902 وابنه العلامة المحقق احمد تيمور المتوفى في 26 نيسان 1930، وهذا والد الاديبين محمد (توفي شابا سنة 1921)، ومحمود الاديب والقاص المعروف، المتوفى سنة 1973, وبهذا يكون البحث عن الاسرة التيمورية واصولها الكردية العراقية، جدير بالاهتمام والتحري، فهل من يدلنا على موضع مخطوطة المرحوم محمد علي عوني؟
واخيرا، فأن السيدة درية محمد علي عوني، الكاتبة والصحفية (المصرية)، ورثت شيئا من ابيها، وتعمل على اصدار كتاب تجمع فيه كل المصريين من اصول كردية. واصدرت كتابين هما (الاكراد والعرب وئام ام خصام) و(الحركة الكردية في تركيا).