حين تصبح القراءة علاجاً .. كتب النفس تجذب قارئات المعرض

جنان السراي

وسط أرفف مكتظة بالعناوين، يبرز قسم كتب علم النفس في معرض أربيل الدولي للكتاب هذا العام كأحد الأركان الأكثر جذباً للقراء، خصوصاً  من النساء، ممن وجدن في هذه الكتب ملاذًا للبحث عن الذات، وفهم السلوك، وتجاوز الأزمات. وبينما يشهد المعرض إقبالاً متزايداً  من الزوار في كل دورة، يلاحظ القائمون على المعرض أن هناك تحولاً ملحوظاً في تفضيلات القراء، حيث أصبحت الكتب النفسية أكثر رواجاً  من أي وقت مضى.

حول هذا الإقبال المتزايد على هذا النوع من الكتب، يقول الروائي كوفان السندي لـ (ملحق المدى) :

“الكتب النفسية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة الكثيرين اليوم، لا سيما مع انتشار التحديات النفسية التي تزايدت نتيجة ضغوط الحياة. أعتقد أن هذه الكتب أصبحت بمثابة مرشدين غير مباشرين، ومساعدين في فهم الذات، وتحقيق التوازن النفسي. في زيارتي لهذه المعارض، أجد أن الكثيرين ينجذبون إليها لأنها توفر إجابات عميقة ومباشرة لأكثر الأسئلة التي يواجهونها في حياتهم اليومية. وهذه ظاهرة صحية، تدل على أننا بدأنا نولي اهتماماً أكبر لحالتنا النفسية وصحتنا العاطفية».

في إحدى الزوايا المخصصة لكتب النفس والتنمية، كانت الشابة ضحى عبد  تتصفح كتاباً يحمل عنوان العلاقات السامة. وحين سُئلت عن سبب انجذابها لهذا النوع من الكتب، قالت:

“الكتب النفسية بالنسبة لي صارت أشبه بجلسات علاج، لكنها بصمت وخصوصية. أحياناً أقرأ فقرة وأشعر أن الكاتب يعبّر عما بداخلي بالضبط. اصبحت أختار كتبي بعناية، وأحب العناوين التي تتناول العلاقات، الثقة بالنفس، وحدود التعامل مع الآخرين. قبل فترة، قرأت كتاباً عن كيفية التعامل مع الأشخاص السامين في حياتنا، وقد غيّر الكثير من تصوري عن نفسي وطريقة تعاملي مع المحيطين بي. أعتقد أن هذه الكتب تفتح لنا أبواباً  لفهم أنفسنا، وهذه هي البداية لتطوير علاقات أفضل وأكثر صحة”.

أما رهف طالب، وهي طالبة جامعية جاءت من الموصل ، فكانت تحمل في يدها ثلاثة كتب كلها في مجال علم النفس. تقول:

“بسبب ضغوط الحياة والدراسة، أشعر أن هذا النوع من الكتب يساعدني على تنظيم أفكاري. ليس كل ما يُكتب عميقاً أو موثوقاً لكن هناك عناوين ممتازة، مثل كتب يالوم أو إريك فروم. أعتقد أن فهم النفس صار ضرورة، خاصة لنا كنساء نواجه الكثير من التحديات الاجتماعية والنفسية.

تضيف «تعلمت من هذه الكتب كيف أتعامل مع القلق والمخاوف، وأعرف متى أضع حدوداً  لأشخاص قد يؤثرون سلباً على صحتي النفسية. على الرغم من أنني لا أستطيع شراء كل الكتب التي أريد، فإنني دائماً أجد كتاباً واحداً على الأقل يلامس احتياجاتي النفسية ويمنحني أدوات للتغيير”.

من جانبه، يرى الزائر فهد مازن  أن الإقبال المتزايد على هذا النوع من الكتب يعكس وعياً جديداً  في المجتمع، ويضيف:

“ما كان أحد يهتم قبل سنوات بهذه الكتب. الآن أرى بنفسي زوايا كاملة مخصصة لعلم النفس، وقراء يقضون وقتهم في تصفحها. أعتقد أن هذا التحول الصحي نابع من إدراك الناس لحاجتهم لفهم أنفسهم أكثر، بعد كل ما مررنا به من ظروف سياسية واجتماعية صعبة. في السابق، كانت الكتب تُعتبر وسيلة ترفيه، أما اليوم فأصبح من الضروري أن تكون القراءة أداة لفهم النفس وتحقيق التوازن. لا شك أن الثقافة النفسية بدأت تأخذ مكانها في المجتمع، وهو ما يساهم في تحسين الصحة النفسية بشكل عام».

حول هذا الإقبال، تحدث مصطفى الدليمي، ممثل دار الأهلية، قائلا:

“لاحظنا ارتفاعاً واضحاً في مبيعات كتب علم النفس، لا سيما تلك التي تُكتب بلغة مبسطة لكنها عميقة. الكثير من الزائرات يسألن عن كتب تساعدهن على التعامل مع القلق، أو تحسين التواصل، أو تجاوز صدمات الماضي. هذا يدل على وعي جديد تشكّل لدى فئة واسعة، خصوصاً من النساء، بأهمية الصحة النفسية ودور الكتاب في دعمها. ما نلاحظه هو أن الكثيرين بدأوا يبحثون عن كتب تلامس مشاعرهم وتساعدهم في التعامل مع تحديات الحياة اليومية. نحن كدار نشر، نحاول دائماً  أن نقدم أفضل العناوين التي تخدم هذا التوجه، سواء من خلال كتب مترجمة أو مؤلفين محليين”.

وفي إحدى الزوايا التي تقدم كتباً مختارة  من دور نشر مصرية كانت الزائرة منى رامي  تلتقط كتاباً بعنوان إنسان بعد التحديث تقول:

“أعرف أن كتب علم النفس قد تكون غالية الثمن في بعض الأحيان، لكنني أبحث دائماً عن العروض الخاصة أو الكتب التي تكون أقل تكلفة. على الرغم من ذلك، أعتقد أن الكتاب هو استثمار في الذات، لذلك لا أتردد في شراء الكتب التي تساعدني على تحسين حياتي. المعرض هذا العام يقدم مجموعة من العناوين المميزة بأسعار معقولة، وهذا شيء جيد أن أراه، لأنه يجعل الكتب النفسية في متناول الجميع».

وفي هذا السياق، يعتبر المعرض فرصة للكثير من الزوار للتفاعل مع المؤلفين واكتشاف طرق جديدة للتعامل مع القضايا النفسية. بعض الزوار يرون في هذا المعرض بمثابة تجربة تعليمية علاجية، حيث يجدون العناوين التي تساعدهم في التغلب على التحديات النفسية التي قد تواجههم.

في هذا المشهد الثقافي المتنوع، لا تبدو الكتب النفسية مجرد مادة معرفية، بل أداة شخصية للتأمل والمواجهة. ومع كل صفحة تُقلب، يتكشّف وجه آخر للقراءة: وجه العلاج بهدوء، والفهم دون ضجيج، والنضج خارج العيادات المغلقة. الكتب النفسية قد تكون بمثابة العلاج البديل للكثيرين الذين لا يستطيعون الحصول على الدعم النفسي المباشر، وبالتالي فإن الإقبال عليها يعكس تحولاً  في كيفية التفكير بشأن الصحة النفسية في المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top