
أربيل / جنان السراي
منذ العاشرة صباحاً حتى التاسعة مساءً، يعملون بصمت. لا تلاحقهم كاميرات التغطية، ولا تظهر أسماؤهم على بوسترات الندوات، لكنهم هناك، في كل زاوية من زوايا معرض أربيل الدولي للكتاب، يهيئون المكان للدهشة ويصنعون المشهد قبل أن يبدأ.
قبل الافتتاح بعشرة أيام، بدأ محمود البرزنجي ورفاقه من اللجنة التنظيمية مهامهم في نصب ديكور جناحي “مؤسسة المدى” و”وزارة الثقافة”، ونصب الأعلام وتنسيق مواقع الأجنحة. لم يكن مجرد عمل لوجستي، بل رسمٌ أولي للوحة ستبهر الزائرين لاحقاً يقول البرزنجي: “نبدأ مبكراً، فكل رفّ وركن له حكاية، خصوصاً حين نساعد بعض دور النشر على ترتيب أجنحتها وتجهيزها».
في نفس الأيام، كان شمس الدين وفرقته يعملون بلا توقف في نصب الرفوف، بدءاً من التاسعة صباحاً حتى ساعات المساء. يستمر جهدهم حتى بعد انتهاء المعرض بأسبوع، لإعادة تفكيك الرفوف وتنظيمها. مهمة شاقة، لكنها تكتمل بابتسامات صامتة ورضا داخلي لا يُقال.
في الجناح التقني، يعلو صوت الموسيقى وتتحرك الصور على الشاشات الكبيرة. هنا، قصي رائد وفريقه مسؤولون عن كل ما يراه الزائر على شاشة العرض الخارجية، وعن تنسيق الموسيقى التي تختلف باختلاف توقيتات اليوم، حيث تُختار ألحان الصباح بعناية مختلفة عن المساء “هذا العام استخدمنا فيديوهات بتقنية الذكاء الاصطناعي، وكانت نقلة نوعية في شكل المعرض البصري”، يقول قصي لـ(ملحق المدى) ويضيف «أن تنظيم الفعاليات خلال الأيام الممطرة كان مدروسًا مسبقاً ، لضمان راحة الزوار».
من خلف الستيج، يظهر إبراهيم غضبان وهو ينظم الكراسي، ويراقب حركة الجمهور، ويتأكد من نظافة المكان. هدوؤه يسبق خطواته، وابتسامته تستقبل الزائر قبل أي كلمة بنبرة هادئه وملامح واضحٌ عليها التعب يقول « كل ما نقدمه يشعرنا براحة وفخر أننا سبب في سعادة مئات الزوار الذين صنعوا ذكريات لا تنسى خلال هذه الايام وقدمنا لهم كل ما نملك من طاقة وجهد لنشجعهم على الانخراط في جو القراءة والتعلم والتطور».
أما الكهرباء والإنارة، فكانت في عهدة أحمد عبد الواحد من شركة “الرؤية الماسية”، الذي عمل على صيانتها طوال أيام المعرض، متأكداً من أن كل مصباح يعمل، وكل وصلة في مكانها.
بعد الافتتاح، بدأت مرحلة جديدة من العمل الصامت: تدريب دور النشر على استخدام نظام الكوبونات، والتعامل مع الإدارة والزبائن. توزيع الكوبونات وتسهيل استخدامها كان يحتاج تنسيقاً عالياً، لكنه تم بسلاسة أذهلت الجميع لتشجيع الزوار ودعمهم في القراءة.
ولأن الكلمة لا بد أن تصل إلى أبعد من حدود القاعة، تولى فريق البث نقل الندوات مباشرة عبر “فيسبوك” و”يوتيوب” من خلال منصة mcr، لتصل الفعاليات إلى من لم يستطع الحضور.
وسط هذه الجهود، يظهر محمد صابر، أحد المنظمين والمسؤول عن المكتبات، بابتسامته الدائمة وهدوئه اللافت. يتحدث عن الجهد الجماعي بتقدير كبير ويقول لـ(ملحق المدى): “ما يراه الزائر من ترتيب وأناقة وراحة، هو نتيجة تعاون كبير بين كادر ودود يملك روحاً عالية. هذا الفريق يعمل كعائلة واحدة، كل فرد فيه يكمّل الآخر، ونتيجة ذلك ظهرت أجنحة المعرض بشكل مريح ومُرحّب، يتيح للزوار الاستمتاع بكل زاوية دون عناء”.
يختم محمد حديثه بكلمات تُلخّص كل ما يحدث خلف الكواليس: “الكادر بتعاونه وعمله وإخلاصه، نجح في ترك أثر جميل لدى الجمهور، وهو ما سيجعلهم يعودون في السنوات القادمة بشوق أكبر”.
خلف كل زاوية مضيئة، وكل ركن أنيق، هناك عمال وفنيون ومنظمون، يشبهون النحل في صمتهم، والنوارس في حبهم للمكان. لا تغيب ابتسامتهم، رغم ساعات العمل الطويلة، وكأنهم يدركون أن ما يصنعونه ليس معرضًا فحسب، بل ذاكرة جماعية تنطبع في أذهان آلاف الزوار.