
أربيل / علي زيتو
لم تَعُد مشاركة دور النشر الكوردية في معرض أربيل الدولي للكتاب محصورة في تقديم الروايات، الشعر، والكتب التاريخية فحسب، بل باتت هذه الدور تخطو خطواتٍ واضحة نحو مواكبة التطور التكنولوجي والمعرفي، من خلال طرح كتب علمية مترجمة أو مؤلفة باللغة الكوردية تغطي مجالات متعددة، منها الذكاء الاصطناعي، الطب، الفيزياء، البيئة، التنمية البشرية، وعلوم التربية. هذه النقلة النوعية جاءت استجابة لحاجات قرّاء جدد خاصة فئة الشباب والطلبة ممن يبحثون عن محتوى علمي بلغة مفهومة ومبسطة، تتماشى مع متغيرات العصر وتعزز الثقافة العلمية داخل المجتمع الكوردي.
تحوّل في المشهد الثقافي الكوردي
في الدورة السابعة عشرة لمعرض أربيل الدولي للكتاب، برزت هذه الظاهرة بشكل لافت، حيث عرضت العديد من دور النشر الكوردية كتبًا تُعنى بالعلم والتكنولوجيا، بعضها مترجم من لغات عالمية، وأخرى من تأليف باحثين محليين متخصصين في مجالاتهم.
دور النشر ومواكبة رغبة القراء
كاروان من دار مانگ يقول: “نحن نشهد تحولًا في ذائقة القارئ الكوردي، خصوصًا لدى الفئة الشابة. هناك طلب متزايد على كتب الذكاء الاصطناعي، علم النفس، والتقنيات الحديثة. لذلك ركّزنا هذا العام على إصدار وترجمة كتب علمية، مع الحرص على تبسيط المفاهيم بلغة واضحة وبأسلوب جذاب”. وأضاف: “نحاول ألا يكون الكتاب العلمي معقدًا أو نخبوياً. هدفنا أن يصل العلم إلى أكبر شريحة ممكنة، وهذا جزء من مسؤوليتنا الثقافية”. أما ليلان من دار رەهەند فتقول: “خصصنا زاوية في جناحنا هذا العام لسلسلة (زانست بۆ هەمووان) أي العلم للجميع، وتضم كتبًا عن علوم الفلك، المناخ، التكنولوجيا الطبية، وكلها مترجمة ومرفقة برسوم توضيحية. الإقبال عليها فاجأنا، وخصوصًا من الطلبة والمعلمين”. وتابعت: “نعتقد أن النشر العلمي بالكوردية يعزز الثقة باللغة ويجعلها لغة معرفة، لا مجرد أداة للأدب أو الخطاب السياسي”. ويقول محمد من دار نارين: “نشرنا هذا العام كتابًا مبسطًا عن الذكاء الاصطناعي باللغة الكوردية، والإقبال كان جيداً، وخصوصًا من طلاب الحاسوب والمهتمين بالتقنيات الرقمية”.
وأشار محمد إلى أن بعض الكتب يتم إعدادها بالتعاون مع أساتذة جامعيين، لضمان الدقة العلمية وتقديم محتوى رصين بلغة سلسة.
اهتمام جماهيري لافت
الزائر لجناح أي دار نشر كوردية في المعرض يمكنه أن يلحظ ازدياد الاهتمام بالكتب العلمية. ويؤكد العديد من الزوار أن هذه الكتب لم تكن متوفرة بالكوردية بهذه الكثافة في دورات سابقة، ما يدل على وعي جديد بدأ يتبلور بين الناشرين والجمهور.
د. محمود أستاذ جامعي يقول: “تفاجأت بوجود كتب كوردية عن الجينات والفيزياء الحديثة. كنت أضطر سابقًا لشرح هذه المفاهيم لطلابي بالعربية أو الإنكليزية. الآن أستطيع أن أوصيهم بكتب بلغتهم الأم، وهذا تقدم كبير”.
وتقول آمنة طالبة في قسم الإعلام: “اشتريت كتابًا عن الذكاء الاصطناعي وآخر عن التواصل العلمي. لم أكن أظن أنني سأجد كتبًا بهذا المستوى بلغتنا. هذا شيء يدعو للفخر”.
نحو ثقافة علمية باللغة الكوردية
إن ما تشهده دور النشر الكوردية من تطوّر في المحتوى يعكس سعيًا واضحًا لبناء مجتمع قارئ ومتعلّم، لا يعتمد على الترجمة الفورية أو المصادر الأجنبية فقط، بل يطوّر أدواته المعرفية بلغته الخاصة.
ويرى مراقبون أن هذه المرحلة تمهّد لنهضة ثقافية قد تكون مختلفة عن سابقاتها، لأنها تعتمد على إنتاج المعرفة، لا استهلاكها فقط. يؤكد معرض أربيل الدولي للكتاب هذا العام أن الأدب لم يعُد وحده حاضرًا في الواجهة، بل بات العلم أيضًا يجد موطئ قدم له بين الرفوف الكوردية. ومع إصرار دور النشر الكوردية على الاستمرار في هذا الاتجاه، يمكن القول إن التحوّل نحو مجتمع معرفي بات مسألة وقت، وإن اللغة الكوردية تتجه لتكون وعاءً حقيقيًا للعلوم الحديثة، كما هي للشعر والتاريخ.