
اربيل/ المدى
شهدت الدورة السابعة عشرة من معرض أربيل الدولي للكتاب حضوراً واسعاً ومميزاً لدور النشر الكوردية، التي أسهمت في إثراء المشهد الثقافي من خلال عرض الآلاف من العناوين باللغة الكوردية، ما يعكس تنامي الوعي بأهمية دعم اللغة والثقافة المحليتين، وتزايد الطلب على الإصدارات الكوردية في مجالات الأدب، التاريخ، الفكر، والفلسفة، فضلاً عن أدب الطفل والكتب التعليمية.
هذا العام، تشارك في المعرض عشرات دور النشر من 22 دولة، لكن اللافت كان الحضور الكوردي البارز، سواء من حيث عدد الدور المشاركة أو عمق محتواها. ويبدو أن التنافس ليس فقط على الأرفف، بل أيضاً في نوعية الفعاليات والأنشطة الثقافية المصاحبة.
من بين دور النشر التي عززت وجودها هذا العام كانت دار ميخك (مێخەک)، حيث يقول مديرها سوران خالد في حديث له:
“هذه هي المشاركة الخامسة لنا في معرض أربيل الدولي، ومنذ مشاركتنا الأولى لاحظنا مدى أهمية هذه الفعالية، ليس فقط للترويج للكتاب، بل أيضاً لإحياء الحوار الثقافي داخل المجتمع. نحن نؤمن بأن الكتاب هو أداة التغيير الأولى، ومن هذا المنطلق نحرص في كل دورة على أن نقدم عناوين جديدة تمس احتياجات القارئ الكوردي، وتلامس قضاياه وتطلعاته”.
وأضاف: “هذا العام نعرض 24 عنواناً جديداً من إنتاجنا، وهي نتاج تعاون مع مؤلفين كورد من مختلف أنحاء كوردستان وخارجها. لاحظنا في اليوم الأول إقبالاً كبيراً ومفاجئاً من الجمهور، وهذا ما يؤكد تعطش الناس للكتاب الورقي، وللمحتوى الذي يعبّر عنهم بلغتهم الأم. هذا الحماس من الزوار هو ما يدفعنا للاستمرار وتقديم الأفضل”.
أما دار یاری بلس، فقد اختارت أن تخرج عن الإطار التقليدي للكتاب، وتقدم شيئاً مختلفاً، كما يشرح محمد سالم، ممثل الدار: «هذه السنة الثانية لنا في المعرض، ورغم أننا لا نقدم كتباً، فإن ما نعرضه لا يقل أهمية من حيث القيمة الفكرية والتعليمية. نحن نقدم ألعاباً فكرية موجهة للأطفال، بلغ عددها هذا العام أكثر من 300 لعبة متنوعة، تهدف إلى تنمية الذكاء، وتطوير القدرات الذهنية لدى الطفل”.
وتابع: “نشهد حالياً اهتماماً متزايداً من الأهالي الذين يبحثون عن بدائل حقيقية لأجهزة الموبايل والتابلت التي باتت تستهلك وقت الأطفال وتؤثر على تفاعلهم الاجتماعي. وجودنا في المعرض فرصة ذهبية للوصول إلى جمهور واعٍ يدرك أهمية التربية الذهنية في مراحل الطفولة. هدفنا هو أن يكون اللعب وسيلة للتعلم، لا مجرد ترفيه عابر”.
من المشاركات المؤسسية البارزة كانت المكتبة المركزية في جامعة صلاح الدين، التي شاركت هذا العام بجناح غنيّ بالعناوين الأكاديمية والثقافية، كما يوضح أحمد قادر، ممثل المكتبة:
“نحن نشارك بنحو 400 عنوان، غالبيتها باللغة الكوردية، بالإضافة إلى كتب باللغتين العربية والإنجليزية. دورنا لا يقتصر على توفير الكتب للطلبة، بل نسعى لأن نكون همزة وصل بين الأوساط الأكاديمية ودور النشر، لتسهيل حركة المعرفة داخل المجتمع الأكاديمي”. وأوضح أن “المعرض يمثل لنا مساحة مهمة للتواصل، سواء مع الأساتذة، أو الطلبة، أو حتى مع المؤسسات الأخرى. نحرص على حضور هذه الفعاليات لأنها تمكّننا من الاطلاع على أحدث الإصدارات، وتساعدنا في بناء علاقات تعاون مع مكتبات الجامعات الأخرى، سواء في كوردستان أو في باقي أنحاء العراق. نؤمن أن الثقافة الأكاديمية لا يجب أن تنفصل عن الواقع، وهذه الفعاليات هي أحد الجسور المهمة لذلك».
وأضاف: “نأمل أن تتوسع مشاركات الجامعات في المعارض القادمة، وأن يتم دعم هذا الحضور من قبل المؤسسات التعليمية والوزارات، لأن الفائدة تعود على البيئة التعليمية بأكملها”.
حسن دانيشفل، مدير دار نشر دانيشفل، تحدّث عن طبيعة مشاركتهم قائلاً: “هذا العام نعرض 300 عنوان، جميعها باللغة الكوردية، وهي من تأليف نحو 250 كاتباً، بعضهم معروف وبعضهم وجوه جديدة نؤمن بموهبتها. نحن نركز على تعزيز حضور الأدب والفكر الكوردي من خلال منشوراتنا التي تتنوع بين الرواية، الشعر، النقد، الفلسفة، وأدب الطفل”. وأردف: “اليوم الأول كان مشجعاً من ناحية الحضور، لكننا معتادون على أن الأيام التالية من المعرض تشهد عادة زحاماً أكبر. الكثير من الزوار في اليوم الأول يأتون للاطلاع فقط، يقرأون العناوين، يلتقطون الصور، ثم يعودون في الأيام اللاحقة للشراء، نحن متفائلون بأن هذا العام سيشهد تفاعلاً أكبر من الأعوام السابقة”.
من جانبه، شدد محمود أحمد، ممثل دار نشر آرام، على أن المشاركة في المعرض لا تقتصر على بيع الكتب، بل تتجاوزها إلى أهداف ثقافية أعمق، وقال: “نحن نشارك في المعرض من أجل ترسيخ الثقافة أولاً، ثم تأتي الفائدة التجارية لاحقاً. نسعى إلى أن نكون جزءاً من الحراك الثقافي في كوردستان، والمساهمة في رفع مستوى الوعي لدى القارئ وهذا الحضور المكثف لدور النشر، إلى جانب التنظيم الراقي، يجعل من معرض أربيل حدثاً ثقافياً يستحق أن يُحتذى به في المنطقة”.
وأضاف: “ما يميز هذه الدورة هو العروض والخصومات التي تقدمها دور النشر، مما يسهل على القارئ اقتناء الكتب بأسعار مناسبة، ويشجع على شراء أكثر من عنوان فضلا عن أن هذه الفعاليات ضرورية لبناء مجتمع قارئ، وتوسيع دائرة الوعي الثقافي في المجتمع الكوردي”.
معرض أربيل الدولي للكتاب في نسخته السابعة عشرة ليس مجرد سوق للكتب، بل هو مشهد ثقافي متكامل تُشارك فيه دور النشر الكوردية بدور محوري. من خلال التنوع الكبير في الإصدارات، والاهتمام باللغة الكوردية، والانفتاح على قضايا الطفل والتعليم، تبرهن هذه الدور على قدرتها في صناعة ثقافة واعية تتناغم مع هوية المجتمع وتطلعاته. الأيام القادمة من المعرض تعد بالمزيد من الفعاليات واللقاءات، في مشهد ثقافي حيّ يليق بمدينة أربيل.