
أربيل / المدى
تواجه دور النشر العديد من التحديات، في مقدمتها تراجع مبيعات الكتاب، نتيجة لسيطرة العالم الرقمي، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي على حساب القراءة، والأزمة الاقتصادية العالمية التي جعلت الناس يقللون من إنفاقهم على المعرفة والثقافة.
وخلال جولة على دور النشر، المشاركة في معرض أربيل الدولي للكتاب، اتفقت معظمها على عدة تحديات تواجه طباعة ونشر وتوزيع الكتاب، يقول «أحمد البنى»، المدير التنفيذي لدار «أركاز» الأردنية: «بدأت مبيعات الكتاب بالتراجع منذ العام 2018، خاصة بعد أزمة فايروس كورونا، حيث ازداد هذا التراجع بشكل ملحوظ، وتناقص عدد القرّاء».
كيف واجهت دور النشر هذا التراجع؟ يجيب «البنى»: «بدأنا بتخفيض عدد النسخ المطبوعة، كنّا سابقاً نطبع ألف نسخة للعنوان الواحد، اليوم نطبع ٥٠٠ نسخة فقط، ولا نتمّكن من بيعها جميعها، لأن الناس عاجزة عن دفع ثمن الكتاب، وفي المقابل دور النشر عاجزة عن تخفيض سعره، بسبب تكلفته الباهظة».
يرى «البنى» أن الكتاب الإلكتروني، ينافس الورقي، ويؤثر في المبيعات، يقول: «المجتعمات بدأت تتحول إلى رقمية، وأضحى الكتاب متوّفر إلكترونياً، بشكل مجاني، حتى جامعات الخليج العربي، توقفت عن مراسلتنا لشراء الكتب التعليمية، أغلب المناهج تحوّلت إلى رقمية، هذا من أكبر التحديات التي تواجه طباعة ونشر الكتاب الورقي».
مواجهة هذه التحديات، هل تقع على عاتق دور النشر أو الحكومات؟ يجيب «البنى»: «من الصعب مواجهة العالم الرقمي الضخم والمنتشر، لأنه أضحى أمراً واقعاً، الحل يكمن في تحسّن الاقتصاد، حصول الناس على مرتبات كافية، تمكّنهم من تخصيص مبلغ شهري ينفقونه على المعرفة والثقافة، هذا يحتاج أن يجتمع الجهد والخطة والإرادة من الناس والحكومات معاً».
وتبدو تحديات دور النشر الكردية أكثر تعقيداً، فالتجربة الكردية في الطباعة والنشر مازالت حديثة، وتواجه العديد من المشكلات، وعن ذلك يقول «فائق محمد»، المدير التنفيذي لمؤسسة «نارين» للطباعة والنشر في إقليم كردستان العراق: «تشوب حالة الفوضى، دور النشر الكردية، وذلك لأن من يعمل فيها، أناس غير مختصين بالطباعة والنشر، لذلك نلاحظ حالة الفوضى المنتشرة، غياب الإنتقائية، سواء للمواضيع، أو حتى للشكل الخارجي للكتاب».
والتحدي الأكبر الذي يواجه دور النشر الكردية، هو الترجمة، يقول «محمد»: «عندما تقرأ كتاباً مترجماً من العربية إلى الكردية، ستلاحظ مباشرة الأخطاء اللغوية والنحوية بدءاً من العنوان إلى المحتوى والنص، لأن اللذين يعملون في الترجمة، لا يتقنون اللغة العربية، نعاني غياب المختصين أو الأكاديميين اللذين يتقنون اللغتين العربية والكردية بشكل كامل».
كيف يمكن حل مشكلة الفوضى في النشر والترجمة؟ يجيب «محمد»: «المشكلة الأكبر هي أننا لا نعرف ماهو قانون النشر، ليس لدينا اتحاد أو نقابة للناشرين الكرد، لذلك نلاحظ حالة الفوضى هذه، وللتخلص منها، بدأت دار نارين بالتعاون مع المطابع ودور النشر في بيروت، التي تمتلك خبرة طويلة في هذا المجال، وكانت النتائج مرضية وإيجابية».
يؤكد الأمين العام لاتحاد أدباء العراق «عمر السراي»، جميع التحديات المذكوره أعلاه، ويضيف عليها، تحدٍ يواجه الكتاب العراقي، وهو منع الناشر من تصدير كتابه خارج الوطن، ما يدفعه إلى طباعته في الخارج، بالتالي يؤثر على عمل صاحب المطبعة في العراق، فالناشر يطبع في الخارج لكي لا يمر الكتاب في العراق، ويتمكن من عرضه في المعارض الدولية، فينصرف عن المطابع المحلية».
ويقول «السراي» إن: «الحكومة العراقية لم تلتفت إلى صياغة قانون خاص بالنشر، وهي غير مهتمّة بدور النشر التي تسعى لنشر المعرفة والفكر، كما أن أغلب ارتباطات دور النشر هي مع مطابع خارج العراق، بالعملة الصعبة، أي بالدولار، والقوانين تمنع خروج مبالغ كبيرة بالدولار للدفع لهذه المطابع، ما يعرقل عملية الطباعة».
يؤكد «السراي» أن السنوات الأخيرة، شهدت حرية في التعبير، لكن خوف الكاتب ليس من الجهات الحكومية، بل من المليشيات، التي ربما يكون لها وجود داخل الحكومة، وحملة السلاح المنفلت، لذلك على على الحكومة العراقية قبل أن تتجه نحو قمع الحريات، ان تشكل لجنة من الناشرين أولاً، وليس من الحكومة فقط، للسماح للكتب التي تنتقد بالخروج إلى المواطن، لأننا نعيش في زمن كل ما فيه يدعوك إلى الإنتقاد، لماذا إذاً يصادر حق الكاتب في التعبير عمّا يجري؟».
لا تختلف التحديات التي تواجه دور النشر المصرية، عن غيرها من دور النشر في الوطن العربي، وأهمها هي طباعة الكتاب وإخراجه للقارئ، يقول المدير التنفيذي لدار «أجيال» المصرية للنشر والتوزيع، «سيد الرمادي» إن: «التحدي الأول هو غلاء أسعار الورق، حيث ازداد سعر الورق نحو 300 بالمئة خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى غلاء الحبر، وهنا تكلفة الطباعة أضحت باهظة، وتجاوزت قدرة المواطن العادي على الشراء».
ما الحل برأيك؟ يجيب «الرمادي»: «الحل بتحسّن الاقتصاد، لأن الناس في الوطن العربي تحب القراءة، لكن الظروف الاقتصادية شغلتها بالبحث عن متطلبات حياتها اليومية الطعام والشراب والمواصلات، وأصبح الكتاب ثانوياً، وتراجعت القراءة، بالإضافة إلى أن اهتمامات الناس تغيّرت، وسيطر عالم الصورة والفيديو على كل مناحي الحياة، لذلك من الطبيعي أن يواجه الكتاب هذه التحديات»