ذائقة القارئ تحت المجهر: بين التصميم الجميل والمحتوى العميق


أربيل / جنان السراي

لم تعد القراءة مجرّد علاقة بين القارئ والكتاب وحده، بل بات الغلاف والعنوان يلعبان دور البوابة الأولى لعبور القارئ نحو عالم المحتوى، وهو ما تؤكده لقاءات (ملحق المدى) مع مشاركين في معرض أربيل الدولي للكتاب، حيث بدت ذائقة القارئ تحت المجهر، بين انجذاب بصري واحتكام لعقلية نقدية تبحث عن العمق.

يقول رجل ستيني من أرض أربيل في حديثه لـ(ملحق المدى): «الفئات العمرية مختلفة الأذواق، فالشباب يفضلون الروايات، وتصميم الغلاف والعنوان يلفت انتباههم بشكل أساسي. أما بعد سن الأربعين، يبدأ القارئ في انتقاء كتبه بشكل أدق، متجهاً نحو الفلسفة، السياسة، والمواضيع المعمقة والجادة». ويضيف: «في الوقت الحاضر لم تعد مساحة القراءة كما كانت في الماضي، والسبب يعود إلى وجود التكنولوجيا التي أثرت على عادات القراءة، خاصة لدى الشباب الذين يركزون أكثر على تفاصيل الغلاف من مضمون الكتاب».

ويشير إلى أن الغلاف أصبح أداة جذب أساسية للقراء الشباب، بينما يظل المحتوى هو المعيار الحقيقي لنجاح الكتاب على المدى البعيد. «الإنسان يقبل بعقله عندما يقرأ»، يقول الستيني، مؤكداً أن من لا يقرأ، يبقى أمّياً حتى لو تقدم به العمر إلى الثمانين.

أما الشابة تبارك النعيمي، إعلامية من مدينة الموصل، فقد قدّمت وجهة نظر أخرى، قائلة لـ(ملحق المدى)؛ «أنا أحب كل أنواع الكتب، خاصة كتب التنمية وتطوير الذات. في كثير من الأحيان، يلفتني غلاف الكتاب أو عنوانه، وقد يدفعني التصميم الجميل إلى اقتنائه، لكنني لا أكتفي بذلك، بل أحرص على تصفح المحتوى للتأكد من أن مضمونه ينسجم مع العنوان».

تؤكد النعيمي أن جيل الشباب عموماً يركز على جماليات الغلاف والعناوين الجذابة، لكنها تشدد في الوقت ذاته على أن اختيار الكتاب لا يجب أن يكون سطحياً. وتضيف: «رغم كثرة المؤلفين اليوم، إلا أن هناك كتّاباً حقيقيين تركوا بصمتهم، مثل نزار قباني ومحمود درويش. هؤلاء لم يعتمدوا على الغلاف فقط، بل بنوا شهرتهم على محتوى غني وعميق».

وترى النعيمي أن كبار السن يختلفون في مقاربتهم لاختيار الكتب، فهم يبحثون عن مواضيع محددة تهمهم ولا تعنيهم كثيراً ملامح الغلاف. بينما تهتم دور النشر الجادة بالمحتوى أولاً، حفاظاً على سمعتها أمام جمهورها القارئ الواعي.

وفي هذا الإطار، يرى بعض الناشرين أن المعادلة المثالية تكمن في الجمع بين الغلاف الجذاب والمحتوى المتين. فقد صرح بعضهم خلال المعرض أن التصميم الإبداعي لا يغني عن جودة النص، بل يجب أن يكون داعماً له. فالقارئ اليوم، في ظل المنافسة الشرسة بين الكتب الورقية والرقمية، أصبح أكثر وعياً، ولا يكتفي بالمظهر الخارجي بل يبحث عن القيمة التي تقدمها الكتب لعقله وروحه.

وتكشف هذه الآراء عن التحولات العميقة التي طرأت على سلوك القارئ العربي، حيث بات التوازن بين الجمال البصري والمضمون العميق شرطاً أساسياً لجذب اهتمام مختلف الفئات العمرية. فبين قارئ ينجذب للتصميم وآخر يفتش عن العمق، تبقى الكتابة الحقيقية هي التي تعبر الزمن، وتصنع الفارق في ذاكرة القراء.

Scroll to Top