
معد فياض
أكد الاكاديمي عارف الساعدي، مدير عام دائرة الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة الاتحادية، على ان «معظم دور النشر العراقية والعربية، تعاني من شحة قراء الكتاب الورقي»، مشيرا الى ان «معارض الكتب هي عبارة عن جرعات تُعطى للقارئ الجديد ومحاولة لاستنهاض فكرة القراءة بالاساس لان ما يحدث هو صراع مع الكتاب الاليكتروني ومع (السوشيال ميديا) بشكل عام»
وقال الساعدي بمناسبة افتتاح معرض اربيل الدولي للكتاب بنسخته الـ 15: «كيف يمكن اختزال هذا التحول المباشر ما بين الكتاب الورقي الذي تربت عليه اجيال، وما بين ما بعد بعد الحداثة، من 2010 او 2000 صعودا؟ مع هذا من خلال استطلاع سريع لمعارض الكتب عندما نرى مجموعة شباب يبحثون عن عناوين محددة ويحضرون ندوات، تعرف ان مهمة معارض الكتب ليست بيع الكتب فقط لجذب القارئ بل هي نشاط ثقافي عام ولكن نسبة االكتاب فيه هي 80%»، موضحا بانه «عندما يأتي روائي معروف وبعد تقديمه لندوة سنرى العشرات من المعجبين بأعماله يقفون في طوابير لاقتناء كتابه، ولكن كل هذه الفعاليات هي تنشيطات سريعة لا تحل أزمة الكتاب العربي او الكردي او الكتاب بشكل عام، لاننا يوميا نفقد المزيد من القراء بسبب التطور التكنولوجي الرقمي»
ولفت الساعدي، وهو، شاعر وعضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، وحاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي الحديث سنة 2007، الى ان «فكرة النشر هي الاخرى اختلفت، كان الكاتب او الشاعر ينتظر لأشهر او سنوات حتى تتم الموافقة على كتابه ويُطبع وبعد طباعة كتابه سيحظى في الاقل بخمسة الاف قارئ لكتابه، وكأن هناك من يتابعه ويكتب عنه، الاجيال الستينية والسبعينية تربت على هذه المتابعة والحرص على القراءة، ولم تكن الفرص متاحة لاي كاتب بنشر كتبه، اما اليوم فهناك تسهيلات للكاتب وفي نفس الوقت هذه التسهيلات ذوبت نسبة القراء الحقيقيين، واذا كان يطبع خمسة او عشرة الاف نسخة فاليوم بالكاد يطبع 500 نسخة وتبقى نائمة في المخازن الا في حالات معينة بان يظهر الكتاب بشكل جيد وان تبذل جهود لتسويقه»
وعن نوعية الجمهور الذي يحضر الى معارض الكتب، قال «اي كانت نوعية الجمهور الذي يحضر معارض الكتب فهو أمر حسن لان المعرض هو عبارة عن مهرجان ترافقه فعاليات ثقافية اخرى، ندوات ومحاضرات واماسي شعرية وشراكات ثقافية ما بين دور النشر ومشاريع للترجمة وحضور الجمهور، حتى اذا لم يشتر كتاب، لكن وجوده في مثل هذه الاجواء فهو امر محمود لانه قد يلتقي بكاتب ويتعرف على شاعر او على عناوين الكتب لانه يلتقي في مكان بغاية الرقي لا يشاهد فيه الا كتابا وكاتبا، فهل يوجد اجمل من هذا؟»
وعن اهتمام وزارة الثقافة بالكتاب والجهد الثقافي الكردي، أوضح قائلا ان «هناك مديرية عامة كبيرة للثقافة الكردية، هي دار النشر الكردية، تهتم بترجمة الادب الكوردي للغة العربية ونشره وتقيم فعاليات ثقافية كوردية اسبوعية وشهرية، ومؤخرا اصدرت مجموعة سلاسل عن سيرة حياة وانجازات (ببليوغرافيا) الادباء الكورد وبطباعة فاخرة.. ونحن في دائرة الشؤون الثقافية وضمن اهتمامنا بالرموز الابداعية العراقية طبعنا لهم الاعمال الكاملة، بداية بالشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، والصافي النجفي والحبوبي وحسب الشيخ جعفر، والزهاوي ولميعة عباس عمارة، قررنا ان ننشر الاعمال الكاملة للشاعر الكردي شيركو بيه كس، ليصدر ضمن هذه السلسلة، واعلنت من خلال شبكة رووداو ان الاعمال الكاملة للشاعر الكوردي شيركو بيه كس باللغة العربية في المطبعة وستظهر للجمهور خلال اقل من شهر»
وعبر الشاعر عارف الساعدي عن أسفه بسبب «ضعف العلاقة بين الثقافتين العربية واالكوردية، هذه العلاقة، بالرغم من اننا في بلد واحد لكنها مرتبطة بالسياق السياسي الموجود بشكل او بآخر، ولم تستطع الحركة الثقافية النافذة بالبلد ان تردم هذه االهوة بين الثقافتين، العربية والكوردية لاسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا، ولكن هناك محاولات خجولة، كأن يقام مؤتمر هنا وتعقد ندوة هناك، او ان يترجم كتاب من الكوردية الى العربية او العكس، رغم ان الثقافة الكوردية حاضرة في مدارسنا، وهناك درس للغة الكوردية في مدارسنا العراقية العربية وانا مثلا درست الكوردية في المددرسة وكان درسا اساسيا ونخوض فيه امتحانات ومن يرسب فيه سوف يعيد السنة الدراسية، وفي كل الانظمة وحتى اليوم اولادي يدرسون اللغة الكوردية، لكن يا ترى هل يُدرس الادب العربي في المدارس الكوردية بشكل واضح وجيد؟ لا علم لي». مستطردا بقوله «اعتقد ان هذه المهمة هي ليست مهمة الاتحادات الثقافية بل هي مهمة وطنية بالدرجة الاولى، لا توجد هناك جهود حقيقية لتجسير الهوة التي حدثت ما بين الثقافتين العربية والكوردية، ربما مستقبلا ان تكون ضمن اجندة الوزارات المتخصصة، بدليل ليست هناك علاقات ما بين وزارة الثقافة في اقليم كوردستان ووزارة الثقافة الاتحادية، وكذلك اتحاد الادباء والكتاب العراقيين ببغداد لا علاقة له باتحاد ادباء كوردستان، كأننا في جزر منفصلة، نلتقي في مهرجانات عامة، يأتون لنا في مهرجان المربد، ونأتي اليهم في بعض المناسبات، ولكن هل هو هذا كاف لتجسير هذه الهوة؟ لا اعتقد ذلك»
ونبه مدير عام دائرة الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة الى أن «مثل هذا المعرض، معرض اربيل الدولي للكتاب، يساهم بتجسير الهوة بين الثقافتين العربية والكوردية، حتى في اسبوع المدى الثقافي الذي اقيم سابقا في اربيل والذي جمع عددا كبيرا من المثقفين العرب والكورد ساهم جدا بذلك، لكن معرض اربيل الدولي للكتاب بنسخته الـ15 يشكل واحدة من الدعامات المهمة للتقريب بين الثقافتين، العربية والكوردية». وقال «استعرضت بعض دور النشر الكوردية في المعرض وهي تعطي مؤشرا لما وصل اليه الابداع والثقافة الكوردية، هذه الثقافة التي لم نطلع عليها بما يكفي لكي نقول اننا نمتلك ثقافة واحدة وهي الثقافة العراقية، هذا المعرض بفعالياته هو احد الجسور لاختصار المسافة بين الثقافات العراقية المتعددة»
وشخص الساعدي اسباب الهوة بين الثقافتين العربية والكوردية في العراق قائلا «السياق السياسي الذي جاء بعد 2003 خلق هذه التقاطعات الموجودة ولم تكن الثقافة بشكل عام ضمن اولويات السياسيين العراقيين منذ التغيير وحتى اليوم بدليل ان مخصصات وزارة الثقافة في الموازنة فقيرة جدا مقارنة بموازنة بلدية معينة او اي مؤسسة من مؤسسات البلد، على الحكومات ان تعرف ان الصرف على وزارة الثقافة يعني ان تصنع قوة ناعمة لمواجهة التطرف والارهاب، نحن حتى نبني شعبا عراقيا حقيقيا ويحب وطنه بشكل جيد فيجب ان نهتم ببناء القوة الناعمة، لا يكفي ان نحارب الارهاب عسكريا بل ان نبني مسارح وصالات عرض تشكيلي وسينمائي وموسيقي واقامة المهرجانات، ان تحارب الفكر المتطرف بالابداع والثقافة، وبذلك قد نكون إزاء جيل ثقافي مختلف ويمكن ان يتعايش بشكل سلمي حقيقي بعيدا عن كل هذه العقد والامراض التي ورثتها اجيالنا، وهذا ايضا ممكن ان يتحقق في مناهج الدراسة، الابتدائية والمتوسطة والاعدادية وبامكان السلطة السياسية ان تدير دفة وعي هؤلاء الشباب بانتاج وعي ثقافي حقيقي