عدّوه واجهة سياحية للفكر معرض أربيل الدولي للكتاب.. بوابة ممتعة نحو عالم المعرفة

المدى/ أربيل

في ‎صباح هادئ وبعد ساعات طويلة قضاها جعفر ‎ليصل الى معرض الكتاب الذي فيه الالاف من الكتب والثقافات المختلفة، يخطو عبر البوابات الكبيرة التي نصبت عليها لوحات ترحيبية بالزوار، بدأ جعفر بالتجوال بين أروقة المعرض متنقلًا بين أجنحة ودور النشر المختلفة والمكتبات التي تملأ المكان، وعيناه تتلاقف الكثير من العناوين التي يتصفحها مع كل مرة يتوقف فيها امام جناح او مكتبة.

‎جعفر القادم من مدينة النجف حيث التاريخ القديم والمراقد الدينية التي تمثل قبلة المسلمين الشيعة في العالم «الكثير هنا يسألني عن الحياة في النجف عندما يعلم اني قادم من هناك».

اقتناص الكتب

‎اما حيدر هو الاخر شعر بالدهشة عندما دخل الى مدينة أربيل، فالبناء الشاهق والمساحات الخضراء الواسعة جعلته أكثر حماسا ليكتشف زوايا المدينة بعد انهاء جولته بمعرض الكتاب الدولي «اريد ان اتعرف على المدينة بشكل اقرب، ان ارى سكانها واتحدث معهم»، يسكت قليلا ليضيف «هذه مدينة تاريخية فيها اقدم قلعة ما زالت مسكونة الى اليوم» في اشارة لقلعة اربيل التاريخية.

‎ليس بعيدا عن جعفر كان يتجول رجل يرتدي ملابس رسمية وهو يحمل مجموعة من الكتب، لكنه ما زال يتوقف عند كل مكتبة، الاستاذ اردلان التدريسي في جامعة صلاح الدين الذي جاء الى معرض اربيل ليقتنص بعض الكتب كما يصف، يسكت قليلا وهو يدير رأسه يمينا وشمالا ويكمل حديثه لـ(ملحق المدى): «نحن كشعب كردي نرحب بكل زوار المعرض من محافظاتنا الحبيبة».

ثروة ثقافية

‎اردلان يشعر ان العراقيين شعب واحد ولا وجود للعنصرية الا في السياسة، وهو يشير لزوار المعرض «انظري لهم من مختلف الخلفيات الثقافية اليوم في أربيل، انا اسف حقا عن كل ما روجته الحكومات عن الكرد ووصفهم بالعنصرية».

اردلان يرى ان العراق بلد واحد ومتنوع وهذا ما يجعله يمتلك ثروة ثقافية تميزه عن باقي البلدان، ينهي حديثه «نحن علينا محاسبة الحكومات التي زرعت العنصرية بين افراد الشعب، انظروا للمعرض فيه من كل القوميات والالوان».

‎من جهته يعبر الياس في زيارة له من البصرة عن امتنانه للدور الكبير الذي قامت به مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون خلال ايام المعرض، ذاكرا ان هذا المعرض يدل على الاهتمام الكبير لمحافظة اربيل بالثقافة، نافيا فكرة العنصرية بدليل تنوع دور النشر، والكتب العربية والاجنبية جميعها تدل على ان المعرض لا يقتصر على فئة دون أخرى، وهذه هي اهم رسالة قدمها المعرض لزائريه. مشيرا الى ان «التنوع الثقافي والحضاري هو ما يضفي على البلاد قيمتها الحضارية العريقة».

جذب سياحي

‎المهندس سعد اسماعيل بزيارته من الموصل للمعرض، تحدث عن الجهد الذي بذلته مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون وباقي المؤسسات الاعلامية في نجاح المعرض ووصوله لباقي المحافظات، مما حفزهم للحضور والمشاركة، مستثمرين وجود دور النشر الاجنبية لإضافة عناوين جديدة لمكتباتهم.

يتابع إسماعيل حديثه بتأكيد حرصه على المشاركة كل عام في هذا الحدث الثقافي لاقتناء كتب جديدة تثري معرفته، وتطوره في مجاله.

‎ويختتم «نحن لا يمكننا تجاهل الدور المهم الذي يلعبه معرض أربيل كوجهة سياحية للمدينة، حيث ساهم في جذب السياح وتعزيز الصورة الإيجابية لأربيل كوجهة ثقافية وسياحية مميزة في المنطقة، اذ يعكس معرض أربيل الدولي للكتاب وجهة ثقافية وسياحية فريدة من نوعها، تعكس جمال الثقافة وروح التواصل الإنساني، وتجسد تاريخ وحضارة هذه المدينة العريقة».

تلاقح الأفكار

اما الشيخ ثامر الابراهيمي المسؤول الثقافي لنشر تراث المرجع الديني السيد كمال الحيدري فأكد، ان «المعارض والمهرجانات الثقافية، وبالأخص معارض الكتب، تجمع شمل المثقفين القراء والادباء بمجموع الجماهير في مكان واحد، لأنه يعبر عن رؤى ثقافية أدبية مجتمعية ويعزز الروابط الإنسانية، باعتبار ان الثقافة والعلم والادب تعنى بالجانب الروحي الإنساني، والجانب الفكري الإنساني يعبر مساحات تتجاوز التأطير، عندما يتأطر موضوع بأطار معين بثقافة معينة، فهذه المعارض واللقاءات تفسح للإنسان ان يخرج من هذا الاطار، ويعيش معايشة سلمية انسانية، وتتلاقح افكاره بثقافات أخرى، ومن الممكن ان يتعرف عليها من خلال المعرض».

سياحة فكرية

ويضيف الابراهيمي لـ(ملحق المدى)، ان «فائدة المجيء الى المعرض، هو زيارة مدينة أربيل، فبالأساس ان زيارة المعرض هي سياحة، وهي من خلال السياحة الفكرية، والسياحة قد يعيشها الانسان بجسده ولكن السياحة الفكرية يعيشها بروحه وذهنه وعقله، فعند زيارته لمدينة أربيل يتحدد بالمدينة ومناطقها السياحية، ولكن عندما يزور المعرض سوف يتنقل من دولة الى أخرى من مجتمع الى مجتمع». منوها الى، انه «نتعرف من خلال هذا المعرض على ثقافات ودول كاننا نسافر الى دولة اخرى، اذ ان الفرد بحاجة ماسة الى السياحة الفكرية، وبناء فكره، لكون الازمات تقيد فكر الانسان، ويعيش جانبا من المأساة، بينما من خلال منفذ السياحة الفكرية يقوم ببناء ذهنه وفكره وعقله، ويكون اكثر تطلعا وقبولا لنفسه وللآخر».

ويتابع الشيخ «وباعتبار ان الفرد العراقي يهرب من نفسه بسبب هذه الازمات، لكن من خلال هذه المجالات يعود لتقبلها، ويعرف ان الله عز وجل، لابد وان يكون له مقام وقيمة وجودية في هذا العالم، وعندما يقدر الانسان هذه القيمة كفرد سوف يعيش بفكر واسع، ويكون بناء من خلال فكر الانسان».

اجتماع النخب

سونيا كربتيان وهي مستشارة في شبكة تحالف الأقليات العراقية بينت انه «تفاجأت بالعدد والكم الهائل لزوار معرض أربيل الدولي للكتاب، والذي جعلني اشعر بسعادة بان الفرد العراقي عاد ليقرأ، والكتاب رجع الى مكانته الصحيحة». مستدركة بحديثها ان «أربيل ليست جديدة على هذا الالق الفكري من خلال إقامة هذه المعارض والمنتديات واللقاءات الأدبية والفكرية والثقافية، فضلا عن ان المعرض يضم هذه النخبة الجميلة من أبناء الشعب العراقي».

تضيف كربتيان لـ(ملحق المدى): انه «من الضروري ان يكون لدينا هكذا معارض لتكون لدينا سياحة فكرية، اذ يجب انعقاد هكذا محافل بين الحين والآخر، فهي تساعد المواطن ليكون على بينة ودرجة من الرقي والثقافة الفكرية».

كم تبعد الجنة؟

اما الدكتور هونر محمد وهو دكتوراه في أصول الفقه، وامام وخطيب جامع في أربيل، فيوضح، ان «واحدة من ضروريات الحياة هي السياحة الفكرية، فالسياحة الجسدية هي ضرورية، اما السياحة الفكرية فمهمة جدا، وتجد الانسان بحاجة اليها من خلال القراءة والاطلاع على الكتب، وتشعر حينها بلذة الحياة ومتعة وجود الانسان، اذ لابد ان لا يحصر الانسان ملذات الحياة بالأمور المادية والجسدية، والاقتصار على الأكل والمشرب والجنس وما الى ذلك من ملذات الحياة، فهنالك الفكر واشباع الفكر والعقل بالعلم والمعرفة، والرجوع الى الكتب والمطالعة، والابتعاد عن برامج الهاتف وتطبيقاته، اذ ان الكتاب هو العلاج لكل مشاكل الانسان الفكرية والذهنية، والقراءة تعطي للإنسان الهدوء والسكينة والراحة الذهنية، ويكون لديه بصيرة وعمق بالتفكير، وعندما سألوا مولانا الرومي كم تبعد الجنة عنا؟ قال لهم الجنة تبعد عنا خطوتين، الخطوة الأولى ان تترك هوى النفس، والخطوة الثانية، انت بالجنة، فنحن اليوم بحاجة ان نشبع رغباتنا من خلال التسلح بسلاح العلم والمعرفة، وكيف لنا ان نحقق ذلك الا من خلال الكتاب والعودة الى الكتاب، والرجوع الى الكتب القيمة والكبيرة، ولابد للإنسان ان يكون لديه وقت للقراءة، من خلال وضع ساعة باليوم للقراءة والمطالعة، وبعدها سيجني ثمارا من خلال الزخم المعرفي من خلال تجمع الأشهر والسنوات، فلو تعلم يوميا معلومة فستكون اكتسبت كما كبيرا لا يعد ولا يحصى للمعلومات بعد مضي السنين، والمعرض دليل محبة دليل اخوة دليل سلام دليل ثقافة، وبالتحديد في أربيل عاصمة إقليم كردستان».

يضيف الدكتور محمد لـ(ملحق المدى)؛ «الشعوب الحية تكون كذلك من خلال الكتاب، وان يتنفس الانسان من خلال الكتاب، ويستنشق عبق المعرفة والعلوم، ونستطيع تجاوز الازمات، كالأزمات الفكرية، والأزمات السياسية والأزمات الاقتصادية، ولابد علينا جميعا ان نلتفت للكتب، كيف لا ونحن امة إقرأ، كما ورد في القرآن الكريم، وعندما نقرأ سيكون لدينا مستقبل مضيء مشع بشعاع النور والعلم بعيدا عن الجهل والتخلف».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top