في معرض أربيل للكتاب


عماد الدين حسين

أكثر شيء أجد نفسي ضعيفا أمامه هو كتاب جديد جيد، وأفضل الأوقات أن أتجول بين أرفف أي مكتبة جادة. ويندر أن أزور المهندس إبراهيم المعلم في دار الشروق من دون الحصول على إصداراتها الجديدة والمتميزة.

ولذلك لم أتردد في تلبية دعوة الصديق والناشر المعروف فخري كريم صاحب دار المدى العراقية في حضور معرض أربيل الدولي للكتاب في دورته السابعة عشرة.

علاقتي بدار المدى قديمة، ففي سنوات الجامعة وما بعدها كانت إصدارات المدى وترجماتها لكبار أدباء أمريكا اللاتينية هي متعة المتع للعمالقة مثل جابرئيل جارسيا ماركيز وبالأخص ترجمات صالح علماني.

في اليوم الأول لوصولنا إلى أربيل عاصمة إقليم كوردستان العراقي المتمتع بالحكم الذاتي، زرنا فخري كريم في منزله، وكنت فضوليًا للتعرف على مكتبته الكبرى والمتنوعة التي تنتشر في مختلف أرجاء المنزل، وقد وجدت فيها العديد من إصدارات «الشروق» إضافة للعديد من أمهات الكتب التراثية، إضافة إلى لوحات فنية لكبار الفنانين التشكيليين.

الأمسية ضمت عددا من كبار السياسيين والمثقفين منهم على سبيل المثال السياسي الفلسطيني المعروف ياسر عبد ربه الذى شغل منصب وزير الإعلام الفلسطيني مع الزعيم الراحل ياسر عرفات، والسياسي والناشر المعروف فريد زهران، وكذلك المؤرخ اللبناني المعروف فواز طرابلسي، والشاعر والناقد اللبناني عبده وازن والروائية الفلسطينية ليانا بدر، والأديب والكاتب المصري المعروف محمد سلماوي والروائي المستشار أشرف العشماوي والناقد الكبير الصديق سيد محمود والفنانة التشكيلية نازلي مدكور.

الأمسية كانت رائعة ويمكن لك أن تتخيل اجتماع مجموعة من المثقفين والإعلاميين العرب، فالمؤكد أن الهموم والآلام والجراح واحدة، حتى لو اختلفت الانتماءات وتباينت أو حتى تصادمت الرؤى والأفكار.

في صباح اليوم التالي الأربعاء كان افتتاح معرض أربيل للكتاب في مجمع “سامي عبدالرحمن”.

دخلت إلى المعرض وتجولت في أركانه بسرعة ولفت نظري أولا تنظيمه البسيط والمريح، ووجود مساحات واسعة أمام الأجنحة مما يتيح حرية حركة الزوار، وهي أمور أرجو أن تنال اهتمام القائمين على معرض القاهرة الدولي للكتاب في الفترة المقبلة.

الافتتاح الرسمي للمعرض تم في العاشرة والنصف صباحا وافتتحه الزعيم الكوردي المعروف مسعود البارزاني، وقد عرفت من بعض الحاضرين الأكراد أن النشاط الرسمي الأساسي لبارزاني هو افتتاح هذا المعرض ويحرص عليه بصفة دائمة سنوية إيمانا بدور الكتب.

في الافتتاح تحدث مسئولو الثقافة في كوردستان العراق وتحدث أيضا الكاتب الكبير والأديب محمد سلماوي نيابة عن الضيوف الحاضرين. سلماوي قال إن هذه الدورة تنعقد تحت شعار «العالم يتكلم كوردي» بمناسبة اعتماد اللغة الكوردية كإحدى لغات محركات البحث الكوردية.

سلماوي قال إن الثقافة العربية تتميز عن مثيلاتها بالثراء الناتج عن تفاعلها الحيوي مع الثقافات المحلية في مختلف أنحاء الأرض العربية. ولفت النظر إلى أن الثقافة الكوردية أهدتنا ليس فقط القائد صلاح الدين ناصر العرب ومحرر القدس، بل أهدتنا أعظم من ارتقى باللغة العربية إلى أسمى درجاتها أمير الشعراء أحمد شوقي، كما وهبت لنا رائد القصة القصيرة محمود تيمور وغيرهم.

وأفضل ما قاله سلماوي إن الاهتمام بالثقافات الكوردية والقبطية والأمازيغية وغيرها من ثقافات وطننا العربي هو إحياء لفاعلية حضارتنا العربية الشاملة وتأكيد لثرائها، ولن يكون أبدًا وسيلة لتجزئتها كما تريد بعض القوى، بل أداة للتعرض الواعي الناتج عن التنوع.

في كلمة مسعود بارزاني كان مهما تأكيده على “التمسك بثقافة التعايش وقبول الآخر وحرية الرأي والدين والمذهب، وهي أسس قال إنه لن يتم المساومة عليها بأي شكل من الأشكال”.

بارزاني حيا فخري كريم ودار المدى على جهدهما الكبير في إدارة وتنظيم المعرض الذي يتطور عامًا بعد عام.

بارزاني قال إنه يتمنى ألا ينخرط العراق في حروب المنطقة المشتعلة خصوصا أن “هناك في المنطقة أزمات كبيرة، وقد تحدث أزمات أكبر في الطريق”.

حينما انتهى الافتتاح الرسمي الذي لم يستغرق وقتًا طويلاً تم السماح بدخول الجمهور للمعرض للزيارة والشراء. ولكي أتأكد من أن ذلك حقيقي جربت أن أشتري أحد الكتب وعنوانه: «الديانات والملل والفرق» وهو عبارة عن دراسة تاريخية، الصادر عن دار الفرات للمؤلف علي عبدالرضا عوض.

في اليوم التالي التقينا مع الزعيم مسعود بارزاني في القصر الكبير في صلاح الدين، وسألناه في كل قضايا الساعة.

Scroll to Top