كتب غيرت حياتهم.. زوار معرض أربيل يروون حكاياتهم مع رحلة القراءة

أربيل / جنان السراي

في الزمان الذي تتسارع فيه الأحداث، وتكثر المشاغل اليومية، تبقى الكتب الخالدة بمثابة نافذة جديدة ينظر من خلالها الإنسان إلى عالم مختلف، عوالم جديدة لا تكاد تلمسها يد، ولا تراها عين. وهذا ما جسده اليوم زوار معرض أربيل الدولي للكتاب، حيث كانوا يروون لنا قصصاً عن الكتب التي كانت بمثابة نقطة تحول في حياتهم، فتغيرت مفاهيمهم، وتبدلت طموحاتهم، وأضاءت طريقهم نحو آفاق جديدة.

من بين الحشود التي تجولت بين أجنحة المعرض، قابلنا أحمد، شاب من مدينة بغداد، يحمل بين يديه كتاباً قديماً تحوّل إلى رفيق دربه. يقول أحمد خلال حديثه لـ(المدى) إن “كتاب ‘قوة الآن’ لأيكهارت تول كان بداية لتغيير جذري في حياتي. الكتاب غير طريقة تفكيري تماماً علمني كيف أعيش في اللحظة الحالية، وكيف أتعامل مع ضغوط الحياة بشكل مختلف”. وأضاف أحمد وهو يتأمل الكتاب: “لم أكن أستطيع التوقف عن التفكير في الماضي أو القلق بشأن المستقبل، ولكن مع هذا الكتاب تعلمت كيف أعيش في الحاضر وأواجه التحديات بأقل قدر من القلق”.

ومن بين الوجوه المشرقة، كانت سارة، معلمة من الموصل، التي تقف أمام جناح خاص بالكتب النفسية والتربوية. تقول سارة: “كتاب ‘الذكاء العاطفي’ لدانييل جولمان غير حياتي بشكل غير مسبوق. بعد أن قرأته، بدأت أطور علاقتي مع طلابي وأحسن طريقة تعاملي معهم. أصبح لدي قدرة أكبر على فهم مشاعرهم وتوجيههم بالطريقة الصحيحة”. وأضافت سارة بابتسامة: “لم أكن أتصور أن الكتاب يمكن أن يكون أداة قوية في التعليم، لكن هذا الكتاب غيّر رؤيتي تجاه تفاعلاتي اليومية”.

أما خالد، الذي يصف نفسه بأنه “عاشق للكتب التاريخية”، فقد أثنى على كتاب ‘مائة عام من العزلة’ لغابرييل غارسيا ماركيز قائلاً: “هذا الكتاب فتح لي أبواب جديدة لفهم الأدب اللاتيني والعالم الغني بالتفاصيل الإنسانية. أسلوب ماركيز في سرد القصص كان بمثابة درس في كيفية التعبير عن المشاعر والأحداث بشكل فني”. وأوضح خالد: “لقد علمني الكتاب كيف أن الأدب قادر على نقل تجارب شعوب وثقافات مختلفة بطريقة تجعلنا نعيشها وكأنها جزء منا».

ولا تقتصر تأثيرات الكتب على الشباب، بل تمتد إلى كبار السن أيضاً.. أم تالا، مدرسة متقاعدة كانت تحمل كتاباً فلسفياً في يدها وتستعرضه بعناية، وتقول: “هذا الكتاب علمّني كيف أعيش حياتي بمفاهيم جديدة. لم أكن أعتقد أن كتاباً واحداً يمكن أن يمنحني السلام الداخلي بعد سنوات من البحث عن معنى الحياة”. وأضافت: “الكتب كانت دائماً مصدر إلهام لي، ولكن هذا الكتاب بالتحديد فتح لي أبواب جديدة في فهم الحياة”.

وفي تصريح خاص لمعد صاحب دار عصير الكتب، قال:

“في دارنا، نؤمن أن الكتاب هو أداة التغيير الأول في حياة الفرد. ومن خلال تجربتنا في مجال النشر، لاحظنا أن الكتب الخاصة بالتنمية الذاتية والنفسية أصبحت تحظى باهتمام كبير بين الشباب. لكنني أود أن أنبه أصحاب المكتبات إلى أهمية قراءة الكتب قبل بيعها للمراهقين، حيث أن بعض الكتب قد تكون مؤثرة بشكل كبير في هذه المرحلة العمرية وقد تحمل مفاهيم غير ناضجة قد تؤثر سلباً على الشباب في حال قراءتها بدون وعي. لذلك، من الضروري أن يتأكد المكتبيون من محتوى الكتب بشكل جيد، حتى يساهموا في توجيه الجيل الجديد نحو الأفضل».

في جولة بين زوار المعرض، يتضح لنا أن الكتب ليست مجرد صفحات مكتوبة، بل هي أبواب للأمل، وعناصر للتحول، وأدوات للتغيير. فكل كتاب يحمل بين طياته قصة قد تغير حياة شخص ما، وتفتح له أفقاً جديداً من الفهم والمعرفة. وبينما يبقى المعرض مسرحاً للحوار الثقافي وتبادل الأفكار، تبقى الكتب تلك الأداة السحرية التي تساعد البشر على المضي قدماً في عالمهم المزدحم بالتحديات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top