
أربيل / نور عبدالقادر
في قلب مدينة أربيل، وبين أروقة معرض يحتفي بالثقافة والإنسانية، تماهت الحروف مع الألوان، وارتفعت أصوات الكتب لترسل رسالة لا تعرف الحدود: “السلام هو الحبر الذي يكتب مستقبلنا”. هذا الحدث الثقافي، الذي ضم نخبة من الأدباء، والمبدعين، والقرّاء من مختلف الدول العربية، لم يكن مجرد معرض للكتاب، بل كان فضاءً يلتقي فيه الشرق بالغرب، والعقل بالقلب، والحاضر بالماضي، ويترك التاريخ يتكلم للأجيال.
وسط هذه الفوضى الجميلة من الكلمات، اجتمعت ثقافات الشعوب العربية لتنبض بروح العروبة الواحدة، مؤكدة أن التنوع هو أجمل ما فينا، وأن الاختلاف لا يعني التفرقة، بل يعني أن لدينا الكثير لنتعلمه من بعضنا البعض.
في لقاء مع (ملحق المدى)، عبرت الآنسة مرام، الزائرة من لبنان، عن سعادتها الغامرة بوجودها في العراق لأول مرة، وقالت: “مثل هذه التجمعات الدولية والثقافية تقرّب المسافات بين الشعوب، وتعزز روح المحبة والتبادل الثقافي. العراق بلد معروف بعراقته الثقافية، وأنا من عشاق الكتاب العراقيين، من بدر شاكر السياب والمتنبي إلى محمد مهدي الجواهري”.
وأضافت بابتسامة تغمرها الدهشة: “أربيل فاجأتني، لم أكن أتوقع هذا الكم من الجمال والرقي. كل شيء هنا يصرخ بالسلام، ورسائل هذا المعرض ستبقى في قلبي إلى الأبد، خصوصًا في ظل ما تمر به بلداننا من تحديات”.
أما المشاركة آيات من الأردن، فقد أكدت في حديثها على أهمية دور الصحافة في تعزيز هذه الرسائل النبيلة، قائلة: “نحن نحتاج لمثل هذه الفعاليات، فهي لا تقتصر على الثقافة فقط، بل تزرع السلام وتنقل الصورة الإيجابية عن شعوبنا. الإعلام له دور محوري في تسليط الضوء على الجانب الإنساني والحضاري لشعوبنا العربية”. وتمنت أن تتكرر مشاركتها في المعرض القادم، مشيرة إلى أن مثل هذه المناسبات تشكل نقطة التقاء بين العقول، وتحمل بذور الأمل لمستقبل أكثر إشراقًا.
أما الشاب اليمني طاهر، فكانت كلماته مفعمة بالحكمة والبساطة، حيث قال: “السلام لا يُمنح، بل يُصنع. وهو يبدأ من داخلنا قبل أن نبحث عنه في العالم. أتعامل مع الجميع من منطلق إنساني، وأعتقد أن مثل هذه الفعاليات تعزز هذا النوع من الوعي”. وأضاف: “اللقاء مع إخوتي من مختلف الدول، ومشاركة الكتب والأفكار معهم، يشعرني بأننا أمة واحدة، وأن الأمل لا يزال موجودًا رغم كل شيء”.
رسالة هذا الحدث لم تتوقف عند حدود أربيل، بل امتدت لتصل إلى كل من حضر، وتجاوزت الكتب لتصبح حديث الوجدان. هذا المعرض لم يكن فقط عن الكتاب، بل عن الإنسان، عن اللقاء، عن الحلم الذي لا يزال ممكنًا.
من أربيل، انطلقت رسالة سلام، كُتبت بالحبر، ونُقشت في القلوب، تؤكد أن الثقافة لا تعرف الحروب، وأن الأدب أصدق الطرق لزرع السلام. وبين رفوف الكتب، ولدت ابتسامات جديدة، وولدت معها أمنيات بأن يكون الغد أكثر محبة، وأكثر إنسانية.