من معرض أربيل للكتاب…”رقمنة التراث السرياني، حفاظ على الهوية وتواصل مع المستقبل”

أربيل / تبارك عبد المجيد

في اليوم الثاني من فعاليات معرض أربيل الدولي للكتاب، كان للتراث السرياني حضور مميز عبر ندوة حملت عنوانا عميق الدلالة: “رقمنة التراث السرياني، حفاظ على الهوية وتواصل مع المستقبل”. أقيمت الندوة على مسرح الفعاليات الثقافية، أدارت الجلسة السيدة فيحاء شمعون بحنكة ودفء، مفسحة المجال لنقاش فكري غني شارك فيه كل من سيادة المطران مار ميخائيل والأنبا الدكتور سامر صوريشو يوحنا عاشور، والمطران نجيب موسى ميخائيل حيث تطرقا إلى أهمية الرقمنة كجسر بين الماضي والمستقبل، وأداة ضرورية في سبيل حفظ التراث السرياني من الاندثار.

قالت فيحاء بعد ترحيبها بالجمهور إن الموضوع الذي تناقشه الندوة اليوم “في غاية الأهمية ويستحق النقاش”، مشيرة إلى أن التراث السرياني يمثل إحدى الركائز الثقافية العريقة، التي كان لها أثر واضح في مسيرة الحضارات. وأوضحت أن هذا التراث ليس مجرد إرث لغوي أو ديني، بل سجل حافل بالإبداع.

وأضافت فيحاء أن تطور التقنيات الإلكترونية يفرض اليوم أهمية متزايدة للحفاظ على هذا التراث، معتبرة أن المهمة مسؤولية كبيرة تتطلب أدوات وأساليب حديثة لضمان استمراريته ونقله إلى الأجيال القادمة.

وتابعت: “سنناقش اليوم كيف يمكن للتقنيات الرقمية أن تسهم في حفظ المخطوطات والنصوص والمقتنيات السريانية القديمة، وإتاحتها للباحثين والجمهور بأساليب متطورة”.

كان المتحدث الأول في الجلسة سيادة المطران مار ميخائيل نجيب الدومنيكي، المتخصص في علم ترميم المخطوطات والمعروف بدوره البارز في توثيق التراث الكنسي واللغوي. وفي كلمته، تناول المطران نجيب أهمية التحول الرقمي، واصفًا إياه بأنه “عالم جديد يدعو إلى تحول قوي في عالم العلاقات السمعية والبصرية”.

وأوضح أن كل صورة ترقمن تمنح رقمًا خاصًا، مما يجعلها تصنف كمادة مرقمنة، وهذا يمنحها طابعا قانونيا يساهم في حماية حقوق الناشرين. كما أشار إلى أن هناك صيغًا متعددة تُستخدم في عمليات الرقمنة، مؤكدًا أن هذه العملية لا تقتصر على الحفظ فقط، بل تشمل أيضًا ضمان الحقوق الفكرية وتنظيم الوصول إلى المحتوى.

كان المتحدث الثاني في الجلسة المطران نجيب موسى ميخائيل، من مواليد مدينة الموصل، وهو خريج قسم هندسة النفط وحاصل على ماجستير في اللاهوت والفلسفة واللاهوت الرعوي. يشغل منصب رئيس الآباء الدومينيكان في الموصل والعراق، وتم تنصيبه رئيسا على أبرشية الكلدان في الموصل عام 2019. كما يُعرف بدوره في الحفاظ على التراث، إذ أسس ويدير مركز المخطوطات الشرقية الرقمية في العراق، وقد اختارته اليونسكو كشخصية بارزة ساهمت في إنقاذ التراث.

وفي مداخلته، أشار المطران ميخائيل إلى أن مصطلح “الرقمنة” هو في الأصل ترجمة غير دقيقة لكلمة “ديجيتال”، لكنه أوضح أنه إدخال نظام الترقيم لحفظ وتصنيف المقتنيات التراثية والأثرية. وقال إن للتكنولوجيا فوائد متعددة، من أبرزها ما يرتبط بعلم المتاحف والآثار والتراث.

وأضاف أن العراق في السابق كان يضم عددًا محدودًا من المتخصصين في مجالات الآثار والتراث، أما اليوم، وبفضل التطور التكنولوجي، أصبح هناك إقبال متزايد على هذه التخصصات ووجود العديد من الباحثين والدارسين فيها.

وأشار أيضًا إلى أن الوصول إلى المصادر التراثية كان في الماضي يتطلب التنقل إلى أماكن محددة مثل بغداد أو البصرة أو أربيل، بينما بات من الممكن اليوم الوصول إلى هذه المعلومات بسهولة من أي مكان، حتى من المنزل، بفضل التحول الرقمي.

أما المتحدث الأخير فكان الأنبا الدكتور سامر صوريشو يوحنا، الرئيس العام للرهبنة الأنطونية الكلدانية، والباحث الأكاديمي الحاصل على بكالوريوس في الترجمة وآخر في اللاهوت. وفي مداخلته، تناول الدكتور سامر مفهوم الرقمنة من زاوية أوسع، مشيرًا إلى أن التراث القابل للرقمنة لا يقتصر على المخطوطات أو المواد المكتوبة فحسب.

وأوضح أن “كل شيء قابل للأرشفة يمكن رقمنته، وليس فقط ما هو مكتوب”، مضيفًا أن المخطوطات تمثل جانبًا واحدًا من هذا التراث. وأكد أن الآثار بمختلف أنواعها، بما في ذلك المباني التاريخية، مؤهلة أيضًا للرقمنة.

وأشار إلى تجربة الموصل كمثال، حيث تمكّن فريقه من إعادة بناء العديد من المباني التي دمرتها الحروب، اعتمادًا فقط على الصور التي كانت موجودة، وذلك بفضل تقنيات الأرشفة الرقمية. واعتبر أن هذه العملية تفتح آفاقًا واسعة لحفظ التراث وإعادة ترميمه، حتى في حال اندثاره المادي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top