هل الكتاب قادر على تغيير المجتمع؟


أربيل / نور عبدالقادر

في عصر تتسارع فيه الأحداث وتتقاطع فيه المعلومات من كل حدب وصوب، يظل الكتاب الورقي مساحة هادئة للتأمل والمعرفة والتغيير. وبين أروقة معرض أربيل الدولي للكتاب، لا تُعرض الكتب فقط، بل تُعرض أيضًا تجارب القرّاء ومواقفهم من الكلمة المكتوبة، وما إذا كانت قادرة فعلاً على إحداث تحوّل حقيقي في الفرد والمجتمع.

المعرض، الذي بات محطة سنوية بارزة لعشاق الحرف من داخل العراق وخارجه، شهد في نسخته السابعة عشر حضورًا لافتًا. وفي اليوم الثامن من الفعالية، لم يكن التركيز فقط على العناوين، بل على الأسئلة الجوهرية التي تلامس الوعي الجمعي والثقافة المجتمعية: هل لا يزال الكتاب قادرًا على التأثير؟ وهل تُقرأ كل الكتب؟ ولماذا يختار البعض القراءة بينما يعزف عنها آخرون؟

سؤال «هل الكتاب يغيّر المجتمع؟» طرحناه على عدد من زوار المعرض. ورغم تباين الآراء، إلا أن معظمها اتفقت على أن للكتاب دورًا محوريًا في تشكيل الوعي وتطوير الذات.

تقول شيلان، أستاذة جامعية في علم النفس، في حديث لـ(ملحق المدى): «الكتب هي علاج للروح، وتطوير للذات. عن تجربتي، أستطيع القول إن الكتاب جعل مني إنسانة مختلفة. أصبحت أكثر تفاؤلاً واتزانًا. لذا، أؤمن تمامًا بأن القراءة قادرة على تغيير المجتمعات والنهوض بها».

أما سوران، وهو طالب جامعي، فيشاركنا تجربته قائلاً: «كنت أتهرّب من أي حديث ثقافي، لكن بعد أن بدأت بقراءة كتب في التنمية الذاتية والمواضيع الفكرية، تغيرت نظرتي. أصبحت أكثر وعيًا وإقبالًا على الحياة. اليوم، لا أستغني عن القراءة، وأشعر بنقص إن لم أقرأ يوميًا. لو أن الجميع يقرأ، لكنا في عالم مختلف تمامًا».

من جانبها، ترى الدكتورة سارة، أستاذة جامعية، أن القارئ يتميز بسرعة البديهة والقدرة على النقاش: «من السهل تمييز الطالب الذي يقرأ عن غيره. القارئ يتمتع بشخصية قوية، وذهن حاضر، وسعة اطلاع. الكتب تنحت الشخص وتصقل فكره».

ويضيف الكاتب والباحث في الشأن الثقافي حسن، أن تأثير الكتاب لا يمكن قياسه فقط بعدد القرّاء، بل بنوعية التغيير الذي يحدثه في وعيهم. يقول: «الكتاب الذي يُشعل سؤالًا في عقل قارئه أقوى من ألف منشور عابر. القراءة ليست ترفًا، بل ضرورة في مجتمع يسعى للنهوض. ومن يقرأ اليوم بوعي، سيقود غدًا بفكر».

رغم هذا التأثير الإيجابي، يرى بعض الزوار أن كثرة الإصدارات، خاصة مع سهولة النشر الإلكتروني، لا تعني بالضرورة جودة المحتوى. ويؤكدون أن القارئ اليوم عليه أن يختار بحكمة ما يقرأ، وأن يبتعد عن الكتب التي لا تضيف قيمة حقيقية.

للقراءة علاقة تأثير متبادلة بين الفرد والمجتمع. كل قارئ واعٍ يشكّل نواة لمجتمع أكثر نضجًا وفهمًا وإبداعًا. وإذا ما اجتمعت الإرادة على القراءة، فإن التغيير حتمي. فكما قيل: «أمة تقرأ، أمة لا تموت».

Scroll to Top