
أربيل / المدى
في زحمة الحياة اليومية، وتحت وطأة الضغوط المستمرة، قد يبحث الإنسان عن مخرج، عن ملجأ أو نافذة للهرب المؤقت من الواقع. بالنسبة للكثيرين، كانت هذه النافذة هي القراءة. ومع انطلاق فعاليات معرض الكتاب الدولي، كان من اللافت أن أغلب الزوّار لم يأتوا فقط لشراء الكتب، بل ليستعيدوا علاقة قديمة، أو يبدأوا رحلة جديدة مع الكتاب.
طرحنا سؤالًا مباشرًا على عدد من الزوّار: «هل غيّرتك القراءة؟»، فجاءت الإجابات محمّلة بالشغف، والامتنان، وأحيانًا بدموع.
في أحد أركان المعرض، التقينا بليلى، طالبة جامعية، تحمل بين يديها كتابًا بعنوان «الذين لم يولدوا بعد». تقول ليلى: «كنت أعاني من شعور مستمر بالوحدة، وكنت أبحث عمن يفهمني. الكتب لم تكن فقط تسلية، بل كانت نوعًا من العلاج. كل كتاب قرأته أضاء جزءًا مظلمًا في داخلي».
أما خالد، موظف في القطاع الحكومي، فيؤمن بأن القراءة غيّرته فكريًا. «كنت أعيش بنمط تفكير تقليدي جدًا، لا أقبل الآخر بسهولة. لكن بعد قراءتي لكتب الفلسفة والأدب العالمي، بدأت أُدرك أن العالم أكبر من تصوّراتي المحدودة، وأن الاختلاف ليس تهديدًا بل ثراء».
الملفت أن التغيير الذي تُحدثه القراءة لا يقتصر على الكبار. ياسمين، طفلة تبلغ من العمر 11 عامًا، كانت تمسك بكتاب مصوّر عن الكواكب. سألناها: «تحبين القراءة؟»، فأجابت بثقة: «كتير! لأنها تجعلني أعرف أشياء ما كنت أتخيلها». وحين سألناها إن كانت غيّرتها، قالت: «كنت أحب ألعب فقط، حالياً احب أعرف وأفهم، وحلمي أصبح طيارة، لحبي للفضاء».
الكتب الدينية والتنموية كان لها نصيب أيضًا في تشكيل حياة كثيرين. أبو يوسف، رجل ستيني، قال: «القراءة فتحت لي أبوابًا لفهم ديني بشكل أعمق. لم أعد أتلقى المعلومة دون تمحيص. أصبحت أبحث وأتأمّل وأراجع نفسي». وأضاف: «كلما قرأت، زادت محبتي للعلم وللناس».
من جهتها، رأت سهى، معلمة لغة عربية، أن القراءة كانت دائمًا محورًا أساسيًا في تكوينها الشخصي والمهني. «القراءة لا تغيّر فقط، بل تصقل، تُهذّب، وتُحرّك الساكن فينا. لم أكن لأفهم طلابي، ولا نفسي، لولا تلك اللحظات التي عشتها بين الكتب».
زائرون كُثر أجمعوا على أن القراءة ليست مجرد هواية، بل حاجة إنسانية ملحّة. حاجة للمعرفة، للتعاطف، للفهم، وربما للهروب أيضًا، لا من الواقع، بل من ضيق زاوية الرؤية.
في النهاية، قد تختلف الكتب التي يقرأها الناس، وقد تتنوّع أهدافهم منها، لكن المؤكّد أن القراءة تغيّر. تغيّر بطريقة خفيّة أحيانًا، وعاصفة أحيانًا أخرى، لكنها دائمًا تترك أثرًا لا يُمحى.