«هل لبّى المعرض توقّعاتك؟” شهادات من زوّار في آخر جولاتهم


أربيل / علي زيتو

بين رفوف بدأت تنقص كتبها لكثرة الأيدي التي امتدت إليها، وأروقة لا تزال تضج بخطى الزوار، بدا اليوم ما قبل الأخير من معرض أربيل الدولي للكتاب كأنّه البداية لا الختام. في جولتنا الأخيرة بين الأجنحة، كان السؤال الذي حملناه للزوار بسيطاً ومباشراً: هل لبّى المعرض توقّعاتك؟ فجاءت الإجابات محمّلة بالتفاصيل، ما بين الرضا والدهشة، أو النقد المحبّ الذي يريد تحسيناً لا انتقاصاً.

بداية من البوابة الرئيسية وحتى المداخل الفرعية، لمس الزوّار سلاسة التنظيم الذي وصفوه بـ”المحترف”. عدد من الزائرين أشادوا بسهولة الدخول والخروج، ووفرة الكوادر المتواجدة للإرشاد والمساعدة، فضلاً عن التوزيع الواضح للأجنحة. يقول حسان، موظف من الموصل، إنه زار المعرض مرتين هذا العام، ويضيف: “عادةً أخاف من الزحمة، بس اللي شفته هذا العام شي يرفع الراس، حتى في أيام الذروة كان الجو منظم، والناس تتنقل براحتها” وفي الخلف، كان جنود التنظيم يعملون بصمت لضمان هذه التجربة. فرق التنظيف، الأمن، وتوزيع الكوبونات، جميعهم ساهموا في خلق انطباع إيجابي حتى في الأيام الأخيرة.

تفاوتت آراء الزوار حول الكتب المعروضة. فبينما أبدى البعض دهشتهم من حجم التنوّع، أشار آخرون إلى نقص بعض الإصدارات أو ارتفاع الأسعار في بعض الأجنحة. تقول سمية، طالبة أدب إنكليزي من جامعة صلاح الدين: “جناح دار الرافدين كان غني جداً وشفت كتب كنت أبحث عنها من سنة. لكن تمنيت لو دور النشر الأجنبية كانت أكثر” من جانبه، رأى عمر، مدرّس من بغداد، أن المعرض “أرض خصبة” للقرّاء من مختلف الاهتمامات: “أنا أقرأ في الفلسفة والتاريخ، ولقيت تنوّع ممتاز، خصوصاً عند بعض الدور العراقية اللي صارت تنتج بجودة عالية” في المقابل، عبّر زائر آخر يُدعى بشار، وهو محامي من كربلاء، عن أمنيته بأن تُمنح مساحة أكبر لكتب القانون والسياسة باللغة العربية، مضيفاً أن بعض الدور ركّزت على الرواية بشكل كبير على حساب الأنواع الأخرى.

بعيداً عن الكتب، كانت الموسيقى التي تنساب بهدوء عبر مكبّرات الصوت تضيف طابعاً مزاجياً خاصاً للمعرض. ما بين الصباح والمساء، تغيّر الإيقاع بحسب توقيت امس، ما منح الزوار حالة من الراحة والانغماس. تقول رؤى، أم لطفلين جاءت من كركوك: “شي غريب! حتى أولادي لاحظوا الموسيقى وقالوا إنها تخلّي الجو كأنه فيلم. ما توقعت معرض كتب يهتم بهذه التفصيلة” قصي رائد، المشرف على الشاشة الخارجية والموسيقى، أوضح أن اختيار الألحان جاء وفق تخطيط مدروس: “حاولنا نجعل الموسيقى خلفية مريحة وغير مُشتتة، وغيّرنا النمط حسب توقيتات اليوم وحتى حسب الطقس، خاصة في أيام المطر.” وأضاف أن المعرض هذا العام شهد تطوراً تقنياً ملحوظاً باستخدام الفيديوهات التي أنتجها الذكاء الاصطناعي لترويج الفعاليات، مما أضفى لمسة حديثة جذبت فئة الشباب بشكل خاص.

رغم الطقس المتقلّب في بعض الأيام، ظلّت الندوات في قلب المشهد الثقافي للمعرض. مناقشات فكرية، توقيعات كتب، حوارات مع كتّاب شباب وقدامى، كلها شكلت اجواء فكرية جذبت جمهوراً متنوعاً. عزام شاب من البصرة، قال إن الندوات كانت أحد أهم أسباب قدومه للمعرض: “حضرت ندوة كانت غنية وجعلتني أشتري كتباً ما كنت أعرفها”. يُذكر أن معظم الندوات جرى بثها مباشرة عبر منصات التواصل من خلال فريق mcr، ما أتاح للمهتمين متابعتها من مدن أخرى. وقالت سلوى، مدرّسة من السليمانية، إنها شاهدت ندوة كاملة عن بُعد عبر فيسبوك، وأضافت: “أنا ما استطعت المجيء إلا ليومين، فتابعت الباقي من البيت، وكانت التجربة ممتازة”.

واحدة من أكثر الزوايا حيويةً في المعرض كانت تلك المخصّصة للأطفال. رفوف ملونة، قصص مصوّرة، وفعاليات قراءة ومسرحيات صغيرة جذبت العشرات يومياً. تقول ماريا، موظفة وأم لثلاثة: “المعرض مو بس لنا، حتى أولادي حبّوه. اشترينا قصصاً وعملوا نشاطات فنية، وصاروا يتحمسون للقراءة”، كما أضاف والد آخر يُدعى حسن أن تنظيم جناح الطفل كان محكماً، مع وجود مشرفين ومؤدين تفاعليين، مما جعل من زيارة المعرض تجربة عائلية ممتعة.

ورغم الصورة العامة الإيجابية، لم تخلُ آراء الزوار من بعض الملاحظات. فقد تمنّى بعضهم وجود استراحات أكثر، أو تخفيض في أسعار بعض الإصدارات، بينما طالب آخرون بتوسيع مشاركة دور نشر من دول إضافية. لكن في المجمل، أجمع أغلب من التقاهم (ملحق المدى) على أن التجربة كانت مُرضية، بل ودعت إلى تكرارها. يقول سعد من أربيل: “المعرض مشهد ثقافي كبير، ويثبت كل سنة أنه يتطور أكثر”.

مع اقتراب إسدال الستار على الدورة الحالية، بدا واضحاً أن المعرض لم يكن مجرد مكان لشراء الكتب، بل تجربة ثقافية واجتماعية متكاملة. من التنظيم إلى الموسيقى، ومن الندوات إلى لحظة توقيع كتاب، شكّلت أيام المعرض ذاكرةً مشتركة لمن حضروه. وفي أروقة المعرض، حيث لا يزال الإقبال عالي بعيون تلتقط العناوين الأخيرة، تبقى الإجابة عن سؤالنا الأكثر تكراراً: هل لبّى المعرض توقّعاتك؟ في الغالب هي: نعم.. وننتظره بشوق في العام المقبل.

Scroll to Top