وجهات نظر كُتّاب ومثقفين حول دورهم في السنوات القادمة


أربيل / نور عبدالقادر

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، لا سيما في مجالي التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، تبرز تساؤلات عدّة حول موقع المثقف والكاتب في المرحلة القادمة. كيف يمكن لهؤلاء الذين حملوا على عاتقهم مهمة التنوير والتفكير النقدي أن يتفاعلوا مع عالم تتغير معاييره كل يوم؟ وهل لا يزال للكلمة المكتوبة وزنٌ في عصر تسوده السرعة والاختزال؟

يرى الكاتب والإعلامي ريدان أحمد، في تصريح لـ(ملحق المدى)، أن دور الكاتب لم يعد محصورًا في النقل أو السرد، بل أصبح مسؤولًا عن صناعة الوعي وتفسير المتغيرات الكبرى. ويقول: «الكاتب ينقل ما نقله القدماء، ويستفيد من تجربتهم ويستنتج استنتاجات جديدة، لكي ينقلها إلى الجيل الجديد، كلٌ بحسب اختصاصه». لكنه يستدرك بأن هذه المهمة لم تعد سهلة في ظل الكم الهائل من المعلومات المتاحة وسرعة التلقي التي غيّرت طبيعة العلاقة بين القارئ والنص.

ويضيف: «العالم يشهد اليوم تغيرات جذرية، خاصة في مجالي التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وهو ما يجعل مهمة الكاتب أكثر تعقيدًا». فالمعلومة أصبحت متاحة للجميع، لكن ما ينقص هو التحليل العميق والقدرة على الربط بين المعطيات، وهنا تظهر أهمية المثقف الحقيقي الذي لا يكتفي بإعادة طرح الأسئلة، بل يحاول أن يسهم في صياغة الأجوبة.

ولعل أبرز ما يقلقه هو التأثير المتنامي للذكاء الاصطناعي على حياة الإنسان، حيث يقول: «أصبح الإنسان يسأل الذكاء الاصطناعي عن حالته الصحية بدلاً من الذهاب إلى الطبيب»، في إشارة إلى تراجع التفاعل الإنساني في مقابل تصاعد الاعتماد على التقنية. ويطرح هذا التحول تساؤلات أخلاقية عميقة حول مصير التخصصات الإنسانية والعلمية، وعن شكل المجتمعات التي قد تتشكل تحت وطأة هذا التقدم التقني المتسارع.

من جهة أخرى، يرى أحمد أن «القارئ والكاتب يعانون نفس المعاناة في ظل هذا التقدم»، فبينما يغرق القارئ في زحام المحتوى الرقمي، يجد الكاتب نفسه أمام تحدي الحفاظ على صوته وسط ضجيج المنصات المفتوحة. لذلك يدعو إلى «عدم تحويل وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة لصراع الأجيال، بل إلى منصة حوار ونقاش راقٍ».

ويعرب عن أسفه من انتشار التعليقات السطحية والسلبية على المواضيع العلمية والفكرية، قائلاً: «يؤسفني جدًا عندما أتصفح وأقرأ تعليقات تخجل منها الثقافة، وتفتقر للمعرفة». كما يشدد على ضرورة «توزيع الأدوار في المجتمع الثقافي بشكل منتظم»، منتقدًا بعض الأشخاص الذين «يصرّون على الحضور رغم غياب أدواتهم الفكرية».

وفي مقابل صوت المثقف، يعكس القارئ والمهتم بالشأن الثقافي علي مصطفى وجهة نظر المتلقي، قائلًا: «نحن كقراء نبحث عمن يضيء لنا الطريق وسط هذا الزخم الرقمي. صحيح أن الذكاء الاصطناعي يقدم إجابات، لكننا نحتاج إلى من يفكر معنا لا بدلًا عنّا». ويضيف: «أحيانًا أشعر أن الكاتب أصبح مطالبًا بأن يكون أكثر من مجرد مؤلف؛ عليه أن يكون مرشدًا، ومحللًا، وقادرًا على مخاطبة عقول متعبة ومُشتّتة».

ويؤكد مصطفى أن العلاقة بين القارئ والكاتب بحاجة إلى تجديد وتفاعل، «فلا يكفي أن يكتب الكاتب وينتظر الصدى، بل عليه أيضًا أن يشارك في الحوار، لا سيما مع جيل جديد يفكر بطريقة مختلفة تمامًا».

في المحصلة، يتضح أن التحديات أمام الكُتّاب والمثقفين ليست تقنية فقط، بل فكرية واجتماعية أيضًا. فالمستقبل يتطلب منهم دورًا أكثر حيوية، يقوم على النقد والتحليل والتجديد، دون فقدان البوصلة الإنسانية التي لطالما شكّلت جوهر الكتابة الحقيقية.

Scroll to Top