
المدى/ أربيل
برشاقة يحرك انامله على مفاتيح البيانو الملونة بالأبيض والأسود، لا شيء يسمع بالقرب منه سوى صوت نغماته المتسلسلة التي ينصت لها الحضور الذين يلتفون حوله مشكلين نصف دائرة، في النوتات يعيش كل كيانه، وتنغمر روحه في مصب المقطوعات، لا يفضل بعضها عن بعض، فهو بالنهاية ذلك الكائن الذي نذر انامله ليستمتع كل السامعين.
ما ان انهى يوسف فائق ذو الـ25 عاما مقطوعته حتى بدأ صوت التصفيق يملأ ارجاء معرض اربيل الدولي للكتاب، تقاطع التصفيق نغمات تخرج من البيانو لإكمال مقطوعته التي اسماها «قصة حب» فهو يعتبر مقطوعته واحدة من أجمل نغمات الموسيقى الشعبية الرومانسية التي تحرك المشاعر.
يوسف الذي اعتاد على سماع هذه المقطوعة يؤكد بحديثه لـ(المدى): «لقد كنت أستمع إلى هذه الموسيقى منذ طفولتي، وكنت احلم بعزفها واليوم تحقق هذا الحلم» يقولها يوسف وابتسامة فخر ترتسم على شفتيه اثناء حديثه ويكمل «كنت اريد ان اكون عازف بيانو جيدا ومميزا، وابتسامات الناس واستمتاعهم جعلني أتأكد من انني أصبحت كذلك».
يوسف الذي كان يعزف في احدى زوايا المعرض، لم تفارق الابتسامة وجهه، اذ تشعر وكأنه يطير ما ان بدأت ذبذبات الموسيقى في النفاذ الى ارجاء المعرض، «الموسيقى تعطي شعور بالحب والسلام وتغازل ذكرياتنا وتلتصق بها»، يتوقف يوسف عن الكلام وهو ينظر يمينا ويسارا من ثم يكمل كلامه ويده تشير لزوار المعرض «اريد ان اصنع لهم ذكرى موسيقية جميلة، هنا فانا احب معارض الكتب لأنها مكان للثقافة والعلوم ويستطيع الناس من خلالها اكتشاف اشياء جديدة والتعرف على ثقافات أخرى، سواء من مخالطة الحاضرين للمعرض او من خلال كتبهم التي يشترونها ليقرأوها».
في زاوية اخرى كان بعض حضور معرض الكتاب متجمعين، هناك كان يقف المنافس تاج، (٢٣ عاما) وهو يحرك يده برشاقة ضاربا اوتار غيتاره الخشبي ليكمل مقطوعته الموسيقية، فهو قد تعلم العزف على الغيتار منذ نعومة اظفاره بتشجيع والده، يتذكر جيدا اول غيتار حصل عليه كهدية منه، «كان عمري حينها ١١ عاما فقط، كم كانت لحظة جميلة ان يكون لدي غيتاري الخاص وابدأ من خلاله رحلتي مع الموسيقى».
بنظراته الهادئة يسافر تاج بخياله مع مقطوعة (قصة حب) مستذكرا ذكرياته الجميلة بعيون لامعة قائلا: ان «الموسيقى ظلي الذي يرافقني اينما ذهبت، فهي جزء اساسي من يومي، استمع اليها اثناء ممارستي للرياضة او العمل». مضيفا انا الجأ اليها في كل لحظات تعبي والمي».
بينما يعتبر حسين سعدون باحث في الفكر المعاصر، ارتبط بالفنون والثقافة ارتباطا وثيقا، حيث أشار الى، ان «الفلاسفة منذ البداية وضعوا لها اهتماما، لا بل ان بيتهوفن وصف الموسيقى على انها انبل من الفلسفة والفكر، فهي تترجم مشاعرنا وتقول ما لا نستطيع ان نقوله، وتبث مشاعر الطمأنينة».
يضيف سعدون لـ(ملحق المدى)، ان «اهمية وجود الموسيقى داخل هذا الحدث الثقافي المهم كونها تجعلنا نسرح بخيالنا بعيدا مسترجعين ذكرياتنا مع الكتب والروايات».
اما هبة فقالت لـ(ملحق المدى)، إنه «اثناء تجوالي داخل المعرض شعرت ان لا صوت يعلو على نغمات الموسيقى، فهي تبعث داخلنا شيئا من السلام والهدوء رغم الاعداد والاصوات الكثيرة داخل المعرض، الا ان الموسيقى اضافت لمستها الخاصة وهذا ما جعلني اتجول لوقت اطول دون اي ملل».
من جانب اخر عبر التدريسي في الجامعة الكاثوليكية روسن، عن ما «تضفيه الموسيقى من سحر وسكينة تبعث بنفس القارئ الهدوء» مؤكدا، انها ساعدته على «قتل الملل والروتين اثناء تجواله بين اروقه المعرض».