
أربيل / تبارك عبد المجيد
في اليوم الثالث من فعاليات معرض أربيل الدولي للكتاب، نظم نادي المدى للقراءة، بالتعاون مع معهد غوته الألماني، جلسة حوارية على مسرح الندوات، حملت عنوان «توماس مان، انتصار الإنسان»، وذلك بمناسبة الذكرى الـ150 لميلاد الكاتب الألماني الكبير. استضافت الجلسة د.أوس الجبوري، بينما تولت السيدة هيفا الملا إدارة الحوار.
استهلت السيدة هيفا الندوة بكلمات ترحيبية، قائلة: «باسمنا، نادي المدى للقراءة في أربيل ومعهد غوته الألماني، نحن سعيدون بلقائكم في فعاليات معرض أربيل الدولي للكتاب، وفي هذه الندوة التي تحتفي بمرور 150 عامًا على ولادة توماس مان، وأهمية الإرث الفكري والنقدي والأدبي الذي تركه وراءه».
ثم انتقلت إلى تقديم ضيف الجلسة، الدكتور أوس الجبوري، موضحةً أنه حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ والفنون، وباحث متخصص في دور وإسهام المرأة في التراث. كما أشارت إلى أن له أربع مؤلفات، كان أحدثها بعنوان «مكة في عيون النساء»، وهو أيضا عضو في الجمعية التاريخية السعودية، ويشغل منصب تدريسي ومحاضر في عدد من المؤسسات الأكاديمية.
افتتح د.أوس الجبوري حديثه في الجلسة معبرا عن امتنانه للترحيب، قائلاً: «نادي المدى ناد فعال، ويُخصص دائما جهوده لدعم الفعاليات الثقافية التي تهتم بالثقافة والفنون. شكري موصول أيضًا لمعهد غوته ولمعرض أربيل الدولي للكتاب في نسخته السابعة عشرة».
ثم عادت السيدة هيفا الملا للحديث، لتسلط الضوء على شخصية توماس مان، مشيرة إلى أنه لم يكن مجرد كاتب، بل شاعر وناقد ومفكر، يُعد من أبرز الأدباء والنقاد الألمان في القرن العشرين». وأضافت: «توماس مان ولد في عائلة برجوازية، والدته إسبانية ووالده ألماني، لكنه عاش حياة مليئة بالتحديات، من بينها وفاة والده في سن مبكرة، وصعوبات دراسية في طفولته، ثم لاحقا الفاجعة الكبرى بانتحار ابنه الأكبر».
وأشارت إلى أن توماس مان اتخذ مواقف سياسية بارزة، إذ دعم ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى، لكنه عارضها بشدة خلال الحرب العالمية الثانية، بعد أن أدرك أن النازية كانت أشبه بوباء جاثم على صدر الأمة الألمانية، حسب تعبيره. بسبب مواقفه، سحبت منه الجنسية الألمانية، مما اضطره إلى الهجرة رغم حبه العميق لوطنه. وقد عبر عن هذا التناقض المؤلم بجملته الشهيرة: «ألمانيا حيث أكون».
استأنف الجبوري الحديث بعد استعراض سيرة حياة توماس مان، قائلاً: «التاريخ يقدّم لنا ما حصل، لكن الرواية الجيدة تخبرنا كيف شعر الناس بما حصل، وهذا بالضبط ما قدّمه لنا توماس مان، الذي نحتفي به اليوم».
وأضاف: «تمكن توماس مان من التعبير بعمق عن مشاعر الناس، فقد نشأ في بيئة شهدت تحولات سياسية واجتماعية ونفسية، واستطاع أن يترجم تلك الأحاسيس والمشاعر إلى نصوص أدبية مؤثرة». وأوضح الجبوري أن توماس مان يقدم في معظم رواياته أبعاداً فلسفية عميقة، مشيرا إلى أن هذه الأبعاد انبثقت من البيئة التي عاش فيها، ومن التحولات الكبرى التي شهدها المجتمع الأوروبي آنذاك.
كما أشار إلى أن عائلته البرجوازية كانت تولي اهتماما خاصً بالأدب والمعرفة، وذكر أن شقيقه الأكبر كان قد سبقه إلى عالم الأدب وأصدر روايات قبل أن يبدأ توماس بكتابة أعماله بعشر سنوات تقريباً. وتابع قائلاً: «لقد تأثر توماس مان بالعديد من الأدباء والمفكرين، وهذا واضح في أسلوبه وفي العمق الفلسفي الذي تحمله كتاباته».
مؤكدًا أن أعماله كانت مزيجا من اليأس والتفاؤل، وصراعًا دائمًا مع المادة، إضافة إلى استكشافه لصراع الأجيال. وهنا تكمن عظمة توماس مان، وما يثبت مكانته هو أننا ما زلنا نناقش أعماله بعد مرور 150 عامًا على ميلاده.
وبين الجبوري أن جوهر الأدب يكمن في انعكاس شخصية الكاتب داخل رواياته، حتى وإن ظهر ذلك من خلال أسماء أو أحداث مختلفة. وأوضح أن معظم الأعمال الأدبية التي كتبها توماس مان تعكس شخصيته بتجليات متعددة، مشيرًا إلى أنه في عدد من رواياته تحدّث عن المدينة التي ولد فيها، وعن عائلته، ولكن باستخدام مسميات مختلفة، وفي رواية «موت في البندقية»، تحدث توماس مان عن ذاته. اما رواية «الجبل السحري»، الأكثر شهرة، فهي تسرد الأسئلة الفلسفية والوجودية التي كانت تدور في ذهن توماس نفسه.
وأكد أن توماس مان وصل إلى قناعة راسخة بأن الأديب لا يمكن أن يبقى على هامش الأحداث، بل يجب أن يتدخل في الشأن السياسي، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، الأديب الحقيقي يجب أن يعكس قضايا عصره، ويعبّر عن انفعالات وهموم ومشاكل مجتمعه في زمانه: «ما قيمة الأدب إن اقتصر على الجماليات والمظاهر فقط؟».