
أربيل / تبارك عبد المجيد
في إطار فعاليات معرض أربيل الدولي للكتاب في نسخته السابعة عشرة، أقيمت ندوة بعنوان “دلالات الألواح المسمارية في الحضارة السومرية: البُعد اللغوي، المكاني، والزماني”، وذلك على مسرح الندوات. ترأس الجلسة الدكتور أوس الجبوري، فيما كان ضيف الجلسة السيد فتحي ملا علي، الذي يشغل منصب مستشار أقدم في حكومة إقليم كوردستان.
السيد فتحي، حاصل على شهادة بكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة بغداد، وقد عمل مترجماً للغة الإنجليزية لمدة ثلاث سنوات. كما حصل على شهادة دبلوم عالمي في مجال ترجمة القوانين. وهو له مؤلفات مثيرة منشورة. وقد شهدت الجلسة إقبالاً كبيراً من قبل المهتمين بالتاريخ والحضارة السومرية، حيث تناولت موضوعات ذات صلة بالألواح المسمارية ودلالاتها المتعددة في الأبعاد المختلفة.
بدأ ميسر الجلسة الدكتور أوس الجبوري بالترحيب بضيوف معرض أربيل الدولي للكتاب، مشيدا بدور مؤسسة المدى في احتضانها المتواصل للفعاليات الثقافية والأدبية المتنوعة، والتي باتت تمثل منبرا مهما للحوار والإبداع. بعد ذلك، قدم الجبوري تعريفا بمضمون الندوة، مسلطًا الضوء على أهمية موضوعها المرتبط بالحضارة السومرية ودلالات الألواح المسمارية من حيث اللغة والمكان والزمان.
ثم فسح المجال لضيف الجلسة، الأستاذ فتحي ملا علي، الذي استهل حديثه بالقول: “أشكر مؤسسة المدى لإتاحة الفرصة للحديث عن هذا الموضوع الشيق، كما أتوجه بالشكر لمكتبة التفسير على طباعة كتابي الذي يتعلق بموضوع اليوم”.
وأضاف قائلًا: “يرجع هذا الموضوع بنا إلى ثمانينيات القرن الماضي، وتحديدًا إلى عام 1987، حين كنت طالبًا في قسم اللغة الإنجليزية. كانت بغداد – ولا تزال – مدينة الثقافة والفنون والأدب، وكانت تصل إليها منشورات أجنبية، من بينها جريدة العرب اللندنية. صادف حينها أنني حصلت على بحث يتناول ترجمة الألواح السومرية، ويتحدث عن قصة الطوفان للنبي نوح عليه السلام”.
وأشار الأستاذ فتحي إلى أن تلك اللحظة كانت بداية رحلة اهتمامه العميق بشخصية برسوس (Berosus)، الذي يُعد من أوائل الذين نقلوا روايات بلاد ما بين النهرين إلى العالم القديم، ومن خلالها بدأت رحلته في استكشاف العلاقة بين المرويات السومرية والنصوص الدينية والتاريخية. أوضح الدكتور أوس الجبوري، الذي قام بترجمة العديد من الألواح السومرية واطّلع على عدد كبير منها، بأن أحد المسؤولين في أحد المتاحف البريطانية أخبره أن المتحف يحتفظ بما يقارب 130 ألف لوح طيني من حضارة وادي الرافدين، معظمها تعود للحضارة السومرية.
وأشار الجبوري إلى أنه: “بحسب الروايات والألواح، فإن السومريين لم يُذكروا صراحة في الكتب السماوية، ولكن في أحد الألواح القديمة وُجدت كلمة تشير إلى أن علماء الحضارات في ذلك الوقت كانوا على دراية بوجود حضارة يُطلق عليها لاحقًا اسم السومرية. ومن هنا بدأت ترجمات الألواح في دول أخرى، مما ساهم في كشف المزيد من أسرار تلك الحضارة”.
وفيما يتعلق بأصل السومريين، قال الجبوري إن الفرضيات حولهم متباينة. فهناك من يعتقد أنهم نزحوا من شبه القارة الهندية، بينما تشير نظريات أخرى إلى أنهم قد يكونون جاءوا من فنلندا، أو حتى من اليابان، في فرضيات أقل قبولًا. إلا أن النظرية الأكثر ترجيحًا، بحسب ما ذكره أحد كبار الباحثين، تفيد بأن السومريين نزحوا من مناطق قريبة من بلاد ما بين النهرين، وذلك قبل نحو 600 سنة من الميلاد.
ورغم كل هذه النظريات، لا يزال السبب الحقيقي وراء هذا النزوح غير معروف بدقة، سواء كان سياسيًا، اقتصاديًا، أو اجتماعيًا.
وتابع “قبل نحو ست سنوات، قام معهد متخصص في علم الجينات في أمريكا بإجراء دراسة واسعة النطاق، شملت عينات دم من مجموعات عرقية مختلفة: من الأكراد، اليهود، الإيزيديين، الفلسطينيين، اللبنانيين، العرب، والمصريين وغيرهم. كانت نتائج هذه الدراسة، حسب وصف الباحثين، مبهرة.
وأوضح أن النتائج أظهرت أن نسبة التشابه الجيني الأعلى كانت بين الأكراد واليهود، وهناك قرابة في الطائفة الأشكنازية، حيث أشارت التحليلات الجينية إلى وجود ترابط قوي في السلالة يمتد إلى نحو 2100 سنة قبل الميلاد، ما يعزز فرضية وجود جذور تاريخية مشتركة بين هذه الشعوب.
وأضاف الأستاذ أن مثل هذه الأبحاث تدفعنا إلى إعادة النظر في التاريخ المكتوب، لا سيما في ظل الاكتشافات الحديثة التي تربط بين الهوية الوراثية والتاريخ الحضاري، مشددًا على أهمية الجمع بين الأدلة العلمية والنصوص القديمة، مثل الألواح المسمارية، للوصول إلى صورة أكثر تكاملاً حول تاريخ الشعوب.