لقاء القُرّاء والكُتّاب في أربيل.. احتفالية بالكلمة الحرة والمعرفة التي تبني الأوطان

أربيل/ نور عبدالقادر

في مدينة أربيل، حيث يلتقي الشمال بعراقة التاريخ وحداثة الحاضر، وفي أروقة معرض أربيل الدولي للكتاب، بدا المشهد أشبه بلوحة فنية ملونة، وعرس ثقافي تتلاقى فيه الأرواح الباحثة عن نور الحرف ودفء المعنى. لم يكن المعرض مجرد رفوف تحمل الكتب، بل فضاء حي تنبض فيه الحياة بين صفحات المؤلفات، وبين من كتبها ومن قرأها بشغف.

في أحد الأجنحة، تجمّع عدد من الزوار حول طاولة توقيع حيث جلس أحد الكُتاب يوقّع نسخًا من عمله الجديد. يبتسم وهو يقول: “لا شيء يسعد الكاتب أكثر من أن يلتقي بقرائه، أن يعرف كيف أثرت كلماته فيهم. أشعر اليوم بأن كل ساعات الكتابة الطويلة قد أثمرت”.

بالقرب منه، وقفت شابة جامعية تقول بابتسامة خجولة: “قرأت روايته في ليلة واحدة، لم أستطع ترك الكتاب. واليوم عندما تحدثت معه، شعرت أنني التقيت بشخص من عالمي الداخلي”.

في زاوية أخرى من المعرض، جلس كاتب يتوسط مجموعة من القرّاء، ودار بينهم نقاش مفتوح حول فكرته في أحد كتبه، حيث تبادل الحضور وجهات النظر حول قضايا فلسفية واجتماعية. أحد الحاضرين قال: “القراءة تفتح الأبواب المغلقة في الوعي، وها نحن نعيد فتحها سويًا، بالكلمة والحوار”.

وعبّر عدد من الزوار عن أهمية هذه اللقاءات الثقافية. تقول القارئة الشابة رند: “بالنسبة لي، الكتاب هو صديقي الدائم، لكن حين ألتقي بمن كتبه، يصبح الأمر شخصيًا جدًا، أشعر أنني دخلت إلى قلب التجربة”.

ويضيف أحمد شاب في العشرينيات من عمره: “أنا أبحث عن الكتب التي تغيرني، تدفعني للتفكير خارج الصندوق، وهذا المعرض منحني فرصة الالتقاء بكُتّاب أتابعهم منذ سنوات، وفرصة النقاش معهم كانت ملهمة”.

وفي إحدى الجلسات النقاشية، عبّرت قارئة أخرى، “جمان”، عن سعادتها قائلة: “بعض الكتب تفهمني أكثر من الناس. وحديثي مع الكاتبة اليوم جعلني أدرك أن من يكتب، يكتب من القلب، للقلب”. وردت الكاتبة بابتسامة دافئة: “أن يلتقي الكاتب بقارئ وجد نفسه بين السطور، فهذا هو النجاح الحقيقي”.

تنوعت اهتمامات الزوار بين الرواية، والتاريخ، والفكر، وكتب التنمية البشرية، والكتب الكوردية التاريخية. البعض جاء بحثًا عن عناوين بعينها، وآخرون تجوّلوا بعفوية بين الأجنحة ليكتشفوا الجديد، لكن ما جمعهم جميعًا هو شغف المعرفة. في جناح خاص بالأطفال، نُظّمت جلسات قراءة جماعية ونقاشات حول القصص المصورة، في محاولة لغرس حب الكلمة منذ الصغر.

تقول إحدى الأمهات: “اصطحبت أطفالي معي لأريهم أن الكتاب ليس شيئًا جامدًا، بل نافذة على عالم كبير، وهذا المعرض فرصة رائعة لهم ليبدؤوا رحلتهم مع القراءة”.

لم يكن هذا الحدث مجرد معرض للكتاب، بل مساحة حرة للفكر، ولقاء للوعي، حيث كل كتاب هو بداية لحوار، وكل لقاء هو فرصة لاكتشاف ذات جديدة. معرض أربيل هذا العام كان أكثر من فعالية ثقافية، كان لحظة صادقة تُمثل نبض مجتمع لا يزال يؤمن بأن الثقافة قادرة على التغيير.

يبقى هذا اللقاء السنوي بين القُرّاء والكُتّاب رسالة واضحة بأن الكلمة الصادقة ما زالت تجد من يسمعها، وأن المعرفة الحرة ستبقى حجر الأساس لبناء أوطان قوية، وإن طال الطريق.

Scroll to Top