هل يُقصى الفكر المختلف من معارض الكتب؟


أربيل / نور عبدالقادر

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، أصبحت المعارض الثقافية محطة مهمة للتواصل بين الشعوب والأفكار. يرى كثيرون أن هذه المعارض ليست مجرد منصات لعرض الكتب، بل فضاء لتلاقح الثقافات وتبادل وجهات النظر، بعيدًا عن أي إقصاء أو تهميش.

في حديث مع (ملحق المدى)، أوضحت رقية كنعان، من الأردن، أن المعارض الثقافية تمثل فرصة ذهبية لطرح جميع الأفكار ومناقشتها، معتبرة أن محاولة التحكم في عقول الناس من خلال منع بعض الكتب أو قمع الأفكار أمر غير واقعي، خصوصًا في ظل انتشار الإنترنت وسهولة الوصول إلى أي محتوى حول العالم.

وأضافت كنعان: “تصادم الأفكار قد يؤدي في بعض الأحيان إلى بروز فكرة على أخرى، وهذا جزء من التفاعل الثقافي الصحي. لذلك يجب أن تقام هذه المعارض بكامل قوتها وبريقها، مع توفير أدوات تنظيمية تساعد القارئ على الوصول إلى الكتب التي تهمه أكثر، بدلًا من حجب ما قد يعتبره البعض غير مناسب”.

وأكدت أن الكتب المعروضة في بعض الدول تخضع لقوانين تنظيمية تحرص على تقديم المحتوى ضمن أطر تتناسب مع المجتمع، مشيرة إلى أن كتبهم يغلب عليها الطابع الثقافي، وبعضها يتطرق إلى الجوانب السياسية والدينية دون التطرق إلى مواضيع حساسة أو مثيرة للجدل.

من جانبه، صرّح معاوية الحامد من سوريا، صاحب دار نشر مشارك في المعرض، بأن “جميع الكتب تخضع للرقابة، ولم نسجل أي حالة قمع لفكرة أو منع لكتاب معين”، مضيفًا أن المعارض تهدف إلى نشر الوعي وزيادة أعداد القراء، لا إلى إثارة الجدل.

وشدد معاوية على أن “اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية”، مؤكدًا أن القارئ العربي اليوم أصبح أكثر وعيًا ونضجًا في انتقاء الكتب التي تهمه وتثري فكره، وأن تنوع الكتب المعروضة يعكس حرص المنظمين على تقديم محتوى يناسب مختلف الشرائح والفئات.

أما ليان، باحثة في الشأن الثقافي، فأشارت إلى أن المعارض الثقافية أصبحت اليوم ضرورة ملحة أكثر من كونها فعالية موسمية، لأنها تسهم في بناء مجتمعات أكثر وعيًا وتفتح أفق القرّاء للاطلاع على رؤى متعددة. وقالت: “الاطلاع على المختلف لا يعني تبنّيه، بل يساعد على فهم أوسع للعالم من حولنا”.

من جهة أخرى، تحدّث خالد، شاب مهتم بالقراءة، عن تجربته قائلًا: “المعرض بالنسبة لي ليس فقط لشراء الكتب، بل للتفاعل مع دور النشر، والاستماع إلى ندوات تثري ثقافتي. لا أؤمن بمنع الكتب، بل أؤمن بأن القارئ هو من يختار ما يناسبه”.

وأوضح أن المعارض تسعى لتقديم الآراء والأفكار كافة ضمن إطار يحترم الخصوصية الثقافية لكل مجتمع، وأن الهدف الأساسي منها هو توسيع دائرة المعرفة، وتحفيز الشباب على القراءة، والتفاعل مع القضايا الثقافية والاجتماعية بأسلوب حضاري ومنفتح.

ويجمع كثير من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي على أن إقامة هذه الفعاليات تساهم في تحريك عجلة الوعي، وتمنح الأفراد فرصة للاطلاع على تجارب فكرية متنوعة، مما يعزز من قدرتهم على التفكير النقدي وفهم الآخر، في زمن تتسع فيه الفجوات الثقافية والفكرية.

واخيرًا، تبقى المعارض الثقافية نافذة مشرعة نحو عالم أوسع من الفهم والتسامح، ومجالًا رحبًا لتبادل المعرفة، وتأكيدًا على أن اختلاف الأفكار لا يفسد للود قضية، بل هو أساس لتقدم المجتمعات وتطورها

Scroll to Top