
أربيل / جنان السراي
على رفوف عديدة في معرض أربيل الدولي للكتاب، تبرز أغلفة لامعة، مليئة بالشخصيات ذات العيون الواسعة، الألوان الزاهية، وتسريحات الشعر الغريبة. إنها ليست مجرد كتب مصورة، بل عالم متكامل من الخيال والدراما والأكشن يحمل توقيع “المانغا”، النسخة الورقية من الأنمي الياباني، الذي اجتاح عقول المراهقين وبات اليوم واحدا من أكثر الأركان ازدحاما في المعرض.
في هذا المشهد الثقافي الذي يُفترض أن يكون كلاسيكياً، يظهر جيل جديد لا يكتفي بالكتب المدرسية أو الروايات التقليدية، بل يتجه نحو قصص “ناروتو”، “ون بيس”، “هجوم العمالقة”، و”ديث نوت”. عناوين قد لا تعني شيئاً لجيل الآباء، لكنها اليوم تشكل وجدان المراهقين، وتُغذي خيالهم وتفتح لهم نوافذ على عوالم بعيدة، يتعلمون منها الصبر، القوة، الصداقة، وحتى بعض المفردات اليابانية.
في أحد الممرات القريبة من جناح “جمل”، وقف عثمان، يُراقب مجموعة من المراهقين يتحلّقون حول رفوف المانغا. بابتسامة متفهمة، قال لـ(ملحق المدى) “هذا الجيل لا يقرأ بالطريقة التي اعتدناها، لكنه يقرأ بطريقته الخاصة. الأنمي والمانغا صارا مدخلاً جيداً لعالم القراءة. كثير من المراهقين يطلبون ترجمة القصص، أو حتى النسخ اليابانية، وبعضهم يبدأ من هنا ثم ينتقل لقراءة روايات أكثر عمقاً. لا يجوز أن نُقلل من هذه التجربة فقط لأنها غير تقليدية».
في احد دور النشر كان طه المصطفى، تلميذ في الصف السادس من مدرسة “فلورنتين”، يتحدث بحماس عن تجربته مع الأنمي. قال وهو يُخرج من حقيبته دفتراً مغطى برسومات “دراغون بول”: “أنا تعلّمت كلمات يابانية من الأنمي. لما أحببت الشخصيات، بدأت أبحث عن المعاني، وتعلمت القراءة والكتابة. الآن أستطيع ان أتابع حلقات بدون ترجمة أحياناً»، لم يكن مجرد كلام طفولي، بل بدا وكأنه يعبّر عن علاقة عميقة وناضجة بين طفل وعالم ثقافي متكامل.
اللافت أن دور نشر محلية بدأت تُخصص مساحات للمانغا والأنمي، سواء عبر توفير الترجمات العربية الرسمية أو حتى تنظيم جلسات نقاش للأطفال حول القصص والشخصيات. في حوار للمدى مع مجموعة من المراهقين حول نهاية “هجوم العمالقة”، وما إذا كانت ترمز لصراعات واقعية في عالمنا. بدا الحديث أكثر عمقاً مما قد يتوقعه البعض من هذا النوع من القصص المصورة.
يقول أمير من مكتبة شبعاد: “المانغا ليست مجرد ترفيه، فيها دروس وأفكار فلسفية وسياسية وتربوية. نحن فقط بحاجة لفهم كيف يتفاعل هذا الجيل معها، بدلاً من الاستخفاف بها”. ويضيف أن كثيراً من الأهالي يأتون في البداية مستغربين من شغف أبنائهم بهذه القصص، ثم يعودون لاحقاً لشراء المزيد بعد أن يلاحظوا تحسناً في مفردات اللغة أو التعبير أو حتى السلوك الاجتماعي.
معرض أربيل هذا العام بدا وكأنه يعيد تعريف مفهوم القراءة لدى الجيل الجديد. لم يعد الكتاب الورقي هو الشكل الوحيد للمعرفة، بل باتت القصص المصورة، الفيديو، وحتى الألعاب الإلكترونية، أدوات فعالة يمكن البناء عليها تربوياً وثقافياً.
طه، الذي حمل كيساً صغيراً فيه ثلاث كتب مانغا جديدة، قال في نهاية جولته: “الأنمي خلاني أحب الكتب، وأفكر أتعلم الياباني أكثر، حتى أترجم القصص بنفسي” كانت تلك العبارة كافية لتشرح تحوّل الأنمي من مجرّد ترفيه بصري إلى محفّز ثقافي ومعرفي فعّال.
في ختام اليوم السادس، وبين رفوف الكتب التقليدية والكتب الرقمية، يبقى ركن الأنمي والمانغا أكثر الزوايا ازدحاماً وضجيجاً لأنه ببساطة، يلتقي فيه الخيال الجامح مع شغف المراهقين، ويُترجم فيه الحبر والرسوم إلى عالم يُشبههم. وربما، في مكان ما داخل ذلك العالم، تبدأ قصة قارئ جديد، يجد في مانغا يابانية نافذته الأولى إلى حب القراءة.