
أربيل / نور عبدالقادر
في معرض أربيل الدولي للكتاب، حيث تتنفس الكتب من بين رفوف دور النشر القادمة من مختلف الدول، وحيث احتشد الزوار من أعمار وفئات متعددة، طُرح سؤال بسيط في شكله، عميق في دلالاته:
«هل ترى أن المكتبات المتنقلة تُحدث فرقًا؟»
سؤال يعكس واقعًا معرفيًا وثقافيًا متغيرًا، ويعيدنا للتأمل في دور هذه المبادرات خاصة في المجتمعات التي ما زالت تسعى لإعادة بناء علاقتها بالمعرفة بعد تحديات وصراعات طويلة.
بدأت أول مكتبة متنقلة صديقة للبيئة في العراق من مدينة الموصل. مشروع يعمل بالطاقة الشمسية، ويضم أكثر من ألف كتاب ورقي، بالإضافة إلى مكتبة إلكترونية تتجاوز مليون ونصف كتاب. تتجول هذه المكتبة في أحياء المدينة، بين المدارس والكليات، لتمنح القراءة معنى جديدًا، وأملًا متحركًا.
في أروقة المعرض، التقى (ملحق المدى) بعدد من الزوار من محافظات مختلفة، لمعرفة كيف يرون هذا النوع من المبادرات الثقافية.
رُقيّة، طالبة من أربيل، تحدثت بشغف قائلة:
«رأيت صورًا للمكتبة المتنقلة في الموصل، وشعرت بالغيرة الإيجابية. لماذا لا تكون لدينا واحدة هنا؟ الطلاب بحاجة لمساحات مثل هذه، تكون قريبة منهم وتكسر الروتين الأكاديمي الجاف».
وأضافت: «ليس الجميع لديه الوقت أو الوسيلة للوصول إلى المكتبات المركزية، خاصة من يسكنون بعيدًا عن وسط المدينة».
سيروان من دهوك، يعمل في مجال التعليم، أشار إلى الأثر النفسي والاجتماعي للمبادرة:
«الكتب عندما تصل إلى القرى أو المدارس البعيدة، تُحدث شيئًا عميقًا في الطفل. نحن بحاجة لمكتبة تسير نحو الأطفال، لا تنتظرهم ليصلوا إليها».
وأكد: «نحن في دهوك لدينا مناطق نائية تستحق أن تنعم بهذا النوع من المشاريع».
أما هُدى من كركوك، فقالت بابتسامة:
«فكرة المكتبة المتنقلة جميلة جدًا، خصوصًا أنها صديقة للبيئة وتستخدم الطاقة الشمسية. في كركوك، يوجد تنوع كبير في السكان، ومثل هذه المبادرات تُعد فرصة رائعة لتقوية الروابط الثقافية بين المكونات».
دور النشر في المعرض لم تكن بعيدة عن هذا النقاش. أحد الناشرين قال:
«هذه المكتبات لا توصل الكتب فقط، بل تصلح كمنصات مصغرة للتفاعل مع القراء، ولفهم احتياجاتهم وتوجهاتهم».
وأشار آخر إلى أن التجربة تمثل فرصة لتوسيع السوق الثقافي في العراق، متى ما تم دعمها رسميًا ومدنيًا.
ما بين رفوف الكتب، وصوت الزوّار، وحكايات المحافظات المختلفة، تتضح الصورة: المكتبة المتنقلة ليست مجرد وسيلة توزيع، بل رسالة تسير على عجلات، تتجه نحو القلوب قبل العقول.
نعم، المكتبات المتنقلة تُحدث فرقًا.
لأنها لا تنتظر أن يأتي القارئ إليها، بل تذهب إليه، محمّلة بالكتب، وبالاحترام لحقّه في المعرفة.