
أربيل / نور عبدالقادر
وسط أروقة معرض الكتاب، حيث تتناثر آلاف العناوين من مختلف أنحاء العالم، كان للزوار طقوسهم الخاصة في اقتناص لحظات من الجمال بين الصفحات. وبينما كانت العيون تتنقل بين الكتب، كانت القلوب تلتقط اقتباسات خطفت مشاعرهم، وتركت أثرًا لا يُنسى.
قالت نور الخالدي، 24 عاماً لملحق (المدى): «لم أتوقع أن تأسرني الكلمات بهذه القوة. هناك اقتباس يقول: « كل الكتب في العالم لا تساوي شيئًا أمام لحظة حب صادقة»، شعرت وكأنه يحكي قصتي. بعض الكلمات كانت أقوى من صفحات كاملة».
ولم تكن نور الوحيدة التي أسرتها قوة الكلمات، بل شارك العديد من الزوار اقتباساتهم المفضلة. يقول أحمد، صاحب دار نشر محلية: «لاحظنا أن الناس لا يقرؤون فقط، بل يبحثون عن شعور، عن كلمة تشبههم. هذه الاقتباسات باتت بمثابة مرآة تعكس ما يشعرون به أو يتمنون أن يعيشوه».
من بين أكثر الاقتباسات تداولًا بين الزوار، برز قول الكاتب العالمي باولو كويلو: «عندما ترغب بشيءٍ ما، فإن الكون كله يتآمر لمساعدتك على تحقيقه»، واقتباس لجبران خليل جبران: «ويل لأمة تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لا تزرع، وتشرب مما لا تعصر»، بالإضافة إلى عبارة حديثة لامست وجدان الكثيرين: «كل الأشياء قابلة للانتهاء، إلا الحنين، يعود مع كل مشهد»
في زاوية أخرى من الجناح، جلست الطالبة الجامعية روان محمد، تتصفح دفترًا صغيرًا امتلأ بالاقتباسات، وقالت بحماس: «هذه الكلمات تمنحني أملًا، وكأنها رسائل سرية تخبرني أنني لست وحدي في هذه الرحلة. أحيانًا يكفي اقتباس واحد ليغير مزاج يوم كامل».
لم يقتصر الأمر على الكلمات المكتوبة فقط، فقد تخللت الفعالية جلسات قراءة صوتية للاقتباسات، حيث وقف زوار من مختلف الأعمار ليقرؤوا ما أثر فيهم أمام الجمهور. كانت لحظات اختلطت فيها الضحكات بالدموع، في مشهد اختصر مدى قوة الكلمة وأثرها العميق في النفوس.
من جانبها قالت سمر يوسف، معلمة لغة عربية حضرت إحدى الجلسات: «حين كنت أستمع للناس يقرأون اقتباساتهم، شعرت أن كل واحد منهم يحمل قصة كاملة خلف تلك الجملة القصيرة. هذا الجمال الحقيقي للكلمات.»
وأضاف خالد عبد الرحمن، كاتب شاب حضر الفعالية: «أجمل ما في الأمر أن كل شخص يجد نفسه في اقتباس مختلف. أحدهم يلمسه قول: « احلم كأنك ستعيش أبداً، وعش كأنك ستموت غداً»، وآخر يجد عزاءه في جملة مثل: «في نهاية كل ليل، يطل فجر جديد».
أما الدكتور سامر العاني، أستاذ الأدب، فأكد أن الاهتمام بالاقتباسات في زمن السرعة اليوم يحمل دلالات مهمة، موضحًا: «في ظل تدفق المعلومات، يبحث الإنسان عن جملة مكثفة تحمل حكمة كاملة. الاقتباسات تشبه اختصار الحياة في سطر واحد. واللافت أن الناس يعودون للكلمات كلما ضلوا الطريق.»
كانت أبرز العبارات التي ذكرها الزوّار:
«ازرع الكلمة الطيبة، تحصد روحًا أجمل».
«لا أحد يضيء عالمك إن لم تشعل أنت شمعتك».
مع تزايد أعداد الزوار، بدأ المكان وكأنّه يحتفظ بعشرات القصص التي تمس القلوب وتلامس الأرواح. ما بين الحنين والحكمة والأمل، كانت الكلمات تجمع الحضور في لحظة واحدة، تنبض بالمعنى، وتؤكد أن الكتب ليست مجرد حروف، بل هي أداة للتعبير عن مشاعر ومفاهيم أعمق. بين آلاف الكتب، ربما تختبئ جملة واحدة كفيلة بتغيير الحياة.