
المدى/ نور عبدالقادر
في ختام فعاليات معرض أربيل الدولي للكتاب بدورته الحالية، بدت أروقة المعرض وكأنها تحكي قصصاً جديدة لا تُكتب على الورق فقط، بل تُنقش في ذاكرة الزوار والمشاركين على حد سواء. على مدى أيام المعرض، تحولت مدينة أربيل إلى ملتقى ثقافي نابض، حيث اجتمع القرّاء، الكتّاب، الناشرون، وصناع الفكر، ليؤكدوا أن للكلمة سلطة لا تنتهي وحدوداً لا تعرفها الجغرافيا.
في اليوم الأخير، تلاقت المشاعر بين حماس الختام وحزن الفراق. فمنذ ساعات الصباح الأولى، توافدت أعداد كبيرة من الزوار إلى أرض المعرض، وكأنهم يسابقون الزمن لاغتنام آخر لحظات هذا العرس الثقافي. منصات التوقيع ازدحمت بالقراء الباحثين عن لقاء مع كاتبهم المفضل، وأجنحة دور النشر امتلأت بنقاشات عن الكتب وأسعار العروض الأخيرة.
رسائل متعددة حملها المعرض هذا العام، أهمها أن الكتاب لا يزال قادراً على أن يكون جسرًا بين الشعوب والثقافات، حتى في عصر الرقمنة والسرعة. فقد شهدت أروقة المعرض مشاركات عربية وكردية ودولية، مما أعطى للتظاهرة طابعًا غنيًا بالتنوع، وعزز مكانة أربيل كعاصمة ثقافية فاعلة في المنطقة.
قالت السيدة انتصار، مديرة إحدى دور النشر المشاركة: “معرض أربيل يتميز بروحه الخاصة، لاحظنا إقبالاً كبيراً من فئات عمرية مختلفة، وهذا يبشر بمستقبل واعد للقراءة في المنطقة”.
الأطفال أيضاً كان لهم نصيبهم من الفعاليات، حيث امتلأت المساحات المخصصة لهم بالأنشطة القرائية وورش الرسم، مما عكس اهتمام المعرض ببناء جيلٍ جديد يعشق المعرفة منذ الصغر. وعلى منصات الحوار والنقاش، أدار الكتاب والمثقفون جلسات فكرية ثرية تناولت قضايا الأدب، حرية التعبير، تحديات النشر، ومستقبل الثقافة في ظل التغيرات المتسارعة.
وفي لقاءات قصيرة مع بعض الزوار، عبّر كثيرون عن سعادتهم بحجم التنوع في العناوين والأنشطة. قال الزائر علي كريم، وهو معلم لغة عربية جاء من السليمانية: “كل عام أحرص على زيارة معرض أربيل. إنه أكثر من مجرد حدث ثقافي، إنه احتفال بالمعرفة والحوار والانفتاح”.
فيما رأت الطالبة سما خالد أن المعرض بحاجة إلى مزيد من الفعاليات المخصصة لطلاب الجامعات، قائلة: “نتمنى أن نرى في الدورات القادمة ورش عمل ودورات تدريبية ضمن المعرض، ليصبح منصة أكثر تكاملًا للشباب والطلاب”.
أما الرسالة الأبرز التي حملها اليوم الأخير فهي أن المعارض الثقافية ليست مجرد مناسبات لبيع الكتب، بل هي منصات حقيقية لبناء جسور الحوار، وإحياء روح التساؤل، وتعزيز قيم التسامح والانفتاح. وقد بدا واضحًا أن المعرض، رغم تحديات الظروف السياسية والاقتصادية، استطاع أن يؤكد أن الثقافة لا تعرف الانكسار، وأن شغف القراءة لا يزال ينبض في قلوب الناس.
مع غروب شمس اليوم الأخير، بدأت أجنحة المعرض تغلق أبوابها بهدوء، وأخذ العارضون يحزمون كتبهم بحب، كأنهم يودعون أصدقاءهم. وبقيت رسائل المحبة والمعرفة، التي زرعها المعرض في قلوب الزوار، تتردد بين أروقة المعرض: إلى لقاء قريب… مع كتاب جديد وحلم آخر.