الذكاء الاصطناعي يهدد الكتاب الورقي.. جلسة حوارية في معرض أربيل الدولي للكتاب!


أربيل / تبارك عبد المجيد

شهد مسرح تدوات ضمن فعاليات معرض أربيل الدولي للكتاب جلسة حوارية بعنوان “مستقبل الكتاب الورقي في ظل تنامي تطبيقات الذكاء الاصطناعي”، استضافت د. طلال الزهيري، أحد الأسماء الأكاديمية البارزة في مجال نظم المعلومات وتقنيات المعرفة، وحاوره د. علي عبد الصمد.

ويشغل د. طلال الزهيري منصب أ. د في قسم نظم المعلومات وتقنيات المعرفة بكلية الآداب في الجامعة المستنصرية. وله سجل مهني حافل تولى خلاله عدة مناصب مهمة، منها أمانة المكتبة الجامعية لعدة سنوات، كما ترأس الجمعية العراقية لتكنولوجيا المعلومات، ويدير حاليًا تحرير مجلة “العراقية لتكنولوجيا المعلومات”. وهو عضو في الشبكة العربية للمعلومات التابعة لجامعة الدول العربية، كما يعمل مستشارا تقنيا للعتبة الحسينية. يملك الزهيري رصيدًا علميا ثريا يتضمن عشرات البحوث المنشورة محليا ودوليا، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب المتخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات، ويُعد من المتحدثين المعتمدين في المؤتمرات العلمية داخل العراق وخارجه.

في مستهل حديثه، رحب الزهيري بالحضور وعبر عن شكره لمؤسسة المدى على إتاحة الفرصة لمناقشة موضوع بالغ الأهمية يتعلق بمستقبل الكتاب الورقي في ظل التحولات التقنية السريعة. أشار في حديثه إلى أن الكتاب الورقي لم يكن مجرد وسيط لنقل المعلومة، بل تطور تاريخيا ليشكل أداة أساسية في ترسيخ المعرفة وتداولها. وتحدث عن مسيرة تطور الكتاب من خلال محطات تاريخية مهمة، بدأت منذ اختراع الكتابة ومرورًا بابتكار الورق ومن ثم الطباعة، مؤكدًا أن هذه المراحل أسهمت في ترسيخ مكانة الكتاب كمصدر معرفي فاعل.

وسلط الضوء على انتقال صناعة الورق إلى البلدان الإسلامية في وقت مبكر، وتحديدا في عام 133 هجرية، وهو ما أسس لاحقا لحركة ثقافية واسعة تمثلت في سوق الوراقين في بغداد، والذي لم يكن مجرد سوق للورق، بل مركزا ثقافيا احتضن العديد من العلماء والمفكرين مثل ابن الهيثم والرازي وغيرهما. وأوضح أن الدول العربية والإسلامية ساهمت بشكل كبير في تطور الكتاب الورقي شكلاً ومضمونًا، ليصل إلى صورته المعروفة اليوم.

واكد على أهمية التوازن بين الحفاظ على الإرث المعرفي للكتاب الورقي، ومواكبة الأدوات الجديدة التي تتيحها تقنيات الذكاء الاصطناعي، خاصة في مجالات النشر والوصول إلى المعرفة.

وتابع الزهيري حديثه بالإشارة إلى الدور المحوري الذي أدته الدول العربية والإسلامية في تطوير شكل الكتاب وصولًا إلى صورته الحالية، مشددًا على أن الكتاب لم يكن مجرد أداة معرفية بل ساهم في نشأة وسائل الإعلام الجماهيري وتطورها.

ومع بروز الإنترنت وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي، بدأت تتغير طبيعة العلاقة بين الجمهور والمعلومة، حيث أصبح المزاج العام مائلًا نحو الاستهلاك السريع للمعرفة، وتحول التواجد في هذه الشبكات إلى وسيلة للاطلاع اللحظي على المعلومات. الجيل الجديد بات متعلقًا بالتغريدات القصيرة ومقاطع الريلز السريعة، وهذا التعلق أبعده بشكل أو بآخر عن الكتاب وأضعف من حضوره في الحياة اليومية.

واعتبر أن من أبرز التحديات التي تواجه الكتاب الورقي اليوم هي أن ثقافة الجيل الجديد تشكلت عبر لوحة المفاتيح وصفحات التصفح، وهي ثقافة يصعب فصلها عن الأدوات الرقمية لتوجيه أصحابها نحو القراءة الورقية. لم تكن هذه الثقافة تستهدف الكتاب بشكل مباشر، لكنها غيّرت المزاج العام نحو المعرفة، وهو ما تؤكده المؤشرات العالمية التي تسجل انخفاضًا متسارعًا في معدلات القراءة الورقية.

وأضاف أن التهديد الآخر يتمثل في انتشار النسخ الرقمية من الكتب، التي أصبحت متاحة مجانًا على الإنترنت، ما أثّر على توزيع النسخ الورقية. فالصحف، على سبيل المثال، التي كانت توزع سابقًا أكثر من عشرة آلاف نسخة، أصبحت بالكاد تطبع خمسمائة نسخة، بسبب اعتماد القراء على المواقع الإلكترونية الرسمية لتلك الصحف. ومع ذلك، فإن استمرار وجود النسخ الورقية يعود إلى تمسك شريحة من المجتمع، لا تزال تجد في الورق رابطًا وجدانيًا ومعرفيًا لا توفره الشاشات.

Scroll to Top