رحلتي مع الكتاب

رحلتي مع الكتاب

  • 229
  • 2023/03/07 11:59:07 م
  • 0

 علاء المفرجي

صبي يحاول فك أيروتيكيات مورافيا، ليعنف من شقيقه الأكبر في أن الوقت لم يحن لولوج عالم مورافيا، بينما ثنية الورقة في صفحة 177 في كتاب وليم شيرر (تاريخ ألمانيا الهتلرية)، تعني الكلمات التي استقرت في عين أبي في إغفاءته الأخيرة، في حين تؤرخ كتب بعينها لمرحلة الحماسة الثورية منتصف السبعينيات.

وهكذا على امتداد أكثر من ثلاثة عقود. أظن أن شغفي بالقراءة بدأ يوم قرأت ما قاله طه حسين من أننا أمام جيل يكتب أكثر مما يقرأ، ورغم أنني كنت في سن لا يؤهلني للكتابة التي يعنيها أحد أساطين الأدب العربي الحديث، إلا أن ذلك لم يمنعني من قبول تحدي القراءة.

الأدب الثوري.. هكذا كنا نلقن، ولكن لا بأس إن كانت شخصية (بافل) في روايتي (الأم) أو (الفولاذ سقيناه) هو من سيقودنا إلى (الأدب اللا ثوري) هناك، حيث سنتعرف على دوستويفسكي، ومنه إلى حكمة ميشكين في رواية «الأبله» وأزمة (راسكولنيكوف) في «الجريمة والعقاب» وطهارة (أليوشا) وطيش (ديمتري) في «الأخوة كرامازوف» هؤلاء الذين يعيشون جميعا أشكالا متباينة لمعاناة وحيدة: هي التأنسن، كما يرى ستيفان زفايغ. لم تسلبني السينما شغف القراءة بل على العكس وضعتني أمام طريقة جديدة فيها. هي لم تشل الفاعلية الإبداعية للنص لكنها أيضا أضاءت المناطق المعتمة فيه.. صرت أقرأ وأرسم في الآن نفسه، أقرأ وأنا أتخيل الوضع الذي يتجسد أو سوف يتجسد فيه النص المكتوب حياة وصورا. القراءة هنا منتجة بالفعل. رواية «الحرب والسلام» التي استهلكت مني مراهقا ليالي طِوال، حيث الحدث الأهم في تاريخ روسيا مثلما رواه شيخ الرواية الروسية تولستوي، معالجة مخرج عظيم مثل الروسي بوندارشوك للسينما أتاحت لي قراءة جديدة لهذا الأثر الأدبي الخالد. اكتشف فيها ما قاله تولستوي عن الرواية من أنها أقل تماما من قصيدة، ومع ذلك فهي أقل من تاريخ.. وهو ما لم أكتشفه في قراءتي الأولى لها. الأمر نفسه سيكون مع مارغريت ميتشل و»ذهب مع الريح» القراءة إذن اتخذت عمقا آخر مع الصورة، وصار لك أن تقف مع فيلم مبهر عند سيناريو يعين الكاميرا على المعالجة. وكان من سوء أو حسن حظي أن أشاهد رائعة الأفغاني عتيق رحيمي (حجر الصبر) فيلما قبل قراءة الرواية وهي بالأصل الرواية التي حظيت بامتياز غونكور الجائزة قبل أن يعالجها رحيمي نفسه في فيلم ولا أروع.. في قراءة الرواية نقف عند جمل قصيرة، وسرد يعتمد المونولوغ الداخلي، والتقطيع السينمائي، وعندما نقرأها فيلما لعتيقي نفسه، نعثر على الأسلوب الأدبي، واعتماد الحوار، وكما في الرواية ينساب الحدث مع كل لقطة. مؤلف الرواية ومترجمها للسينما يعينني في (حجر الصبر) في شكل القراءة.. هي رواية تتحدث فيها الزوجة عن مصير زوجها الراقد صامتا، والمصاب بالشلل على إثر رصاصة من رصاصات الحرب، ذكرياتها الموجعة، المؤلمة حد الجنون، تتداخل فيها التعاويذ والتمائم وآيات القرآن الكريم، والحب الذي لا ينطفئ أواره. هي أيضا عن المأساة والكوارث التي يعاني منها الشعب الأفغاني على مدى أكثر من ثلاثة عقود.

أعلى