فطنة القراءة!

فطنة القراءة!

  • 73
  • 2023/03/10 10:43:25 م
  • 0

 شوقي كريم حسن

الكتاب بطبعه ساحر يتقن فن الجذب والادهاش مهما كانت اساسيات تكوينه المعرفية ومصادرة الفكرية، يندفع متلقيه الى امام دوماً، بقصدية الاستمرار من اجل الوصول الى المنشود المشيد ببطء وهدوء من الوعي والتركيز على ماهو مهم وفاعل،

السحر يشبه الغبار المتناثر من حولك دون ان تراه لكنك تحس بوجوده، الباعث على الارتباك وتعطيل بعض من آليات التنفس. هذا ما تفعله القراءة بالضبط سواء كانت متأنية الايقاع، راسخة متفحصاها سريعة تود التهام فيوض المعرفة قبل الاحساس بزوالها وابتعادها عنك، ما الذي تتركه القراءة داخل النفس البشرية، غير متعة التلقي التي تشبه متعة لقاء حبيبة لاول مرة، تتعطر بجذل الاحلام، وتلاقيها بقلب يدق بنشوة البوح الذي تظل ذكراه قائمة تتجدد كلما اردت الاستذكار، ورغبت بالتذكر، هذا ما يفعله الكتاب بالدقة، مع وجود بعض المرونة يصاحبها قلق الفهم والقبول به، تقرأ تحت قوة الارادة التي اسميها ارادة التفحص من اجل الوصول الى الغايات ومعانيها المعلنة والمضمرة، لا دخل للروح بكل هذا، انما هو العقل المتلقي والمرسل اليه، ربما يرفض محتجاً بحكم عدم القبول والاعتراض، يحدث هذا كثيراً مع تلك المدونات التاريخية التي تعارض القناعات، وتحرث في اراضي يظن القارئ انها لاتصلح لان تكون ممراً مهماً للافكار، المدونات التاريخية تجمل الجرائم وتجعل من مرتكبيها ابطالاً، ضماناً للفائدة حتى وان كانت بسيطة ومضحكة في احايين كثيرة، يقول المؤرخ الالماني (هربت جنيفر): كنت اشعر وانا ادون تاريخ الفترة النازية وكأني ارتكب ابشع جريمة بحق من سيقرأ ما اقول ممجداً لالمانيا وهتلر ونازيته المليئة بالفضائح وفناء الانسانية. تلك الفكرة يمكن تطبيقها على كل ماتقرأ من حكايات التواريخ والازمنة التي تمجد السلطات ويجعل منها دهوراً ذهبية لايمكن المجيء بمثلها مهما حاولت الانسانية.

يحدث هذا مع التاريخ لانه تعرى امام حياديته، الازمنة واحداثها لاتعرف معنى الحياد ابداً، مادامت تنقل حكايات وافعال وتجملها غرض دفع القارئ الى التصديق ومن ثم الايمان بحقيقة ما يقرأ والتحدث عنه بروح المؤمن العارف، لا احد يستطيع اثبات حقيقة التاريخ، ولا ادري لم عمل بعض الكتاب على الباسه مسوح التقديس ومنع الاقتراب منه ومسه، لهذا يحتاج القارئ المحترف القراءة، الى الفطنة المحللة، القادرة على فض الاشتباك المقدس بين المؤرخ وما يروم الوصول اليه، مع القراءات السردية او الشعرية لايحدث مثل هذا الامر، ثمة حكاية تحكى وصور انسانية تتحرك لتكمل حضورها ومن حق القارئ القبول والتفاعل وهذا مايحدث في اغلب الاحيان، او الاعتراض على الفعالية الحكائية وممراتها، القراءات الجمالية تعمل وفق مبدأ ارسطو في أهمية التطهير التي لن نجدها مع القراءات العلمية والبحوث السياسية والاجتماعية والتاريخية، تلك الكتب مهمتها الاشارة والتعلم لاغير،فيما تعمل القراءات الجمالية على اسس التفاعل بالفعل، والاخذ برد الفعل سواء كان ايجابياً او سلبياً، يقول لورنس اوليفيه/حين قرأت عطيل لاول مرة شعرت بكره شديد لهذا المسخ المرتبك التفكير. وتعاطفت كثيراً مع ياغو الشرير الذي يدافع عن ذاته الجمعية..

 

أعلى